أميرة خطاب وأخواتها

من قلب مدينة حلب، انطلقت ثلاث فنانات تركن بصمة مميزة على خشبة المسرح وشاشة التلفزيون، وهن الشقيقات أميرة، فاديا، وصباح خطاب.جمعتهن الموهبة، والبيئة الداعمة، والحب العميق للفن، فاخترن طريقًا شاقًا في عالم لا يرحم كثيرًا، لكنه كافأهن بمحبة الجمهور واحترام زملائهن.بين أضواء المسرح وكواليس الحياة اليومية، ارتسمت حكاية ثلاث نساء لكل واحدة منهن مسارها، واختياراتها، ومواقفها التي صنعتها الأيام.يُعد الحديث عن عائلة خطاب فرصة لسبر أغوار عائلة فنية أصيلة، حافظت على مبادئها، وقدّمت نموذجًا للتكامل بين الفن والروح الأسرية.في هذا المقال، نغوص في تفاصيل حياة كل واحدة من الشقيقات، ونرصد محطّاتهن الفنية والإنسانية، ونكشف بعض الجوانب التي لا يعرفها الجمهور دائمًا.

أميرة خطاب: من الرقص الشعبي إلى نجمة على خشبة المسرح

أميرة خطاب وُلدت عام 1955، وتحديدًا في مدينة حلب التي طالما كانت بيئة خصبة للفن والمواهب.بدأت أميرة مشوارها في سن مبكرة، كراقصة ضمن فرقة التلفزيون السوري للفنون الشعبية، وهناك تشربت حب المسرح ووقفت للمرة الأولى على الخشبة.لاحقًا، جذبها التمثيل، فصقلت موهبتها في العروض المسرحية، وكانت بدايتها الحقيقية مع مسرحية “شقائق النعمان” التي جمعتها بدريد لحام وسلمى المصري.امتازت أميرة ببساطتها وتلقائيتها، وظهرت في أكثر من 70 عملًا، من بينها “الخوالي”، “ليالي الصالحية”، و”أبناء القهر”.لم تكن أميرة من النجمات اللواتي يتصدرن العناوين، لكنها استطاعت أن تحجز مكانًا راسخًا بين جمهور يقدّر الأداء الصادق.

فاديا خطاب: صاحبة الحضور الطاغي

فاديا خطاب تُعتبر من أبرز نجمات الدراما السورية في الثمانينيات والتسعينيات.دخلت عالم الفن قبل شقيقتها أميرة، وتخصصت في الأدوار المركبة والمعقدة، خصوصًا في أعمال البيئة الشامية.شاركت في أعمال مثل “باب الحارة”، و”ليالي الصالحية”، و”حمام القيشاني”، وتميّزت بملامحها الحادة وأدائها القوي.فاديا كانت دائمًا داعمة لأميرة، وعبّرت مرارًا عن اعتزازها بشقيقتها التي اختارت الفن على طريقتها الخاصة.رغم انشغالها الفني، بقيت فاديا حاضرة في حياة أسرتها، وقد ظهرت في عدة مناسبات عائلية تؤكد على ترابط العائلة.

صباح خطاب: الفنانة التي اختارت الظل بعد الزواج

صباح خطاب كانت لها بداية فنية واعدة، لكنها فضّلت الحياة الأسرية بعد زواجها من الفنان السوري ياسر العظمة.رغم قصر تجربتها الفنية، إلا أن صباح عُرفت داخل الوسط بثقافتها ووعيها، واحتفظت بعلاقات طيبة مع الوسط الفني.لم تظهر صباح في الإعلام كثيرًا، وكانت ترفض الأضواء، ما زاد من احترام الناس لها.بقيت على علاقة متينة بشقيقتيها، وحرصت على متابعة أعمالهما وتقديم الدعم من الخلفية، وهو دور لا يقل أهمية عن الظهور نفسه.

حكاية الصورة المثيرة للجدل: فاديا وأميرة في أحد المطاعم

في عام 2023، انتشرت صورة لفاديا وأميرة خطاب في أحد مطاعم دمشق، وبيد فاديا كأس بيرة، مما أثار ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي.البعض هاجم الصورة معتبرًا أنها لا تليق بفنانات محسوبات على بيئة محافظة، بينما دافعت فاديا عن نفسها قائلة إن الكأس كان فقط للمنظر وإنها لم تشرب.أما أميرة فأوضحت أنها لا تشرب إطلاقًا، وأن بعض الناس يبالغون في الحكم دون معرفة الحقيقة.هذا الجدل أعاد إلى الواجهة طبيعة العلاقة بين الفن والمجتمع، وكيف يمكن لصورة واحدة أن تُحدث جدلًا لا مبرر له.

الغياب عن “مرايا”: سؤال لا جواب له

رغم أن صباح خطاب زوجة ياسر العظمة، إلا أن أميرة لم تظهر في أي جزء من مسلسل “مرايا” الشهير.سُئلت أميرة في أحد البرامج عن السبب، فقالت إنها لا تعرف، ولم تُعرض عليها أي أدوار من قبل فريق العمل.أضافت أنها لا تحب التدخل في قرارات الآخرين، وتؤمن بأن الأرزاق موزعة، وأن ما لم يُكتب لها لم يكن ليكون.هذا الموقف أثار تعاطف جمهورها، حيث رأوا فيه مثالًا على التواضع والرضا بما قُسِم.

وعكة صحية وموقف مؤثر في المستشفى

في عام 2021، خضعت أميرة لعملية جراحية دقيقة في المعدة بعد معاناة مع الالتهابات.في المستشفى، حدث معها موقف مؤثر، إذ شاهدت سيدة مسنّة ترفض النهوض من سريرها رغم تحسن حالتها.أمسكت أميرة بيد السيدة وقالت لها: “أنا عندي نفس عمليتك ومشيت، قومي انتِ كمان”، وبالفعل، بدأت السيدة تمشي تدريجيًا.هذا الموقف يعكس طبيعة أميرة المتفائلة، وحرصها الدائم على زرع الأمل حتى في أصعب الظروف.

صداقة قوية بين الشقيقات: الفن لم يفسد الود

رغم اختلاف توجهاتهن الفنية، إلا أن فاديا وأميرة وصباح احتفظن بعلاقة أخوية صلبة.يتبادلن الزيارات، ويحتفلن بالمناسبات العائلية، ويظهرن معًا في حفلات تكريم أو مقابلات تلفزيونية.هذا التماسك العائلي ظل مصدر فخر لهن، وساعدهن على تجاوز الكثير من العقبات النفسية والاجتماعية التي تواجه الفنانين.

نظرة تحليلية: ما الذي جعل الشقيقات خطاب حالة فريدة؟

ليس من الشائع أن تظهر ثلاث شقيقات في الوسط الفني ويحتفظن بمكانة محترمة بعيدًا عن الفضائح أو الصراعات.عائلة خطاب نجحت في تقديم نموذج لسيدة سورية فنانة، ملتزمة، ومتواضعة.ورغم تعرض بعضهن للظلم الإعلامي أو التهميش المهني، إلا أنهن حافظن على نقاء الصورة، وهو أمر نادر في عصر تنتصر فيه الضوضاء على الموهبة.

خاتمة: إرث فني وإنساني لا يُنسى

تبقى أميرة خطاب وأخواتها شاهدًا على مرحلة ذهبية في الدراما السورية.قدمن الكثير بصمت، وابتعدن عن الصراعات، وفضّلن التركيز على الفن والإنسان.اليوم، وبعد مرور سنوات على بدايتهن، لا يزال الجمهور يتذكرهن بمحبة واحترام، وهو أعظم تكريم يمكن أن يناله فنان صادق.