تحتل مملكة البحرين مكانة بارزة في المنطقة من حيث التنوع الديني والثقافي، ويُعد المجتمع البحريني نموذجًا حيًا للتعايش السلمي بين مختلف الأديان والطوائف. على الرغم من صغر مساحتها الجغرافية، إلا أن البحرين تتمتع بنسيج اجتماعي غني يتعايش فيه المسلمون والمسيحيون والهندوس واليهود وغيرهم في أجواء من الاحترام المتبادل والحرية الدينية. ويتجلى هذا التنوع في تعدد دور العبادة، والانفتاح الرسمي على الممارسات الدينية، والفعاليات الثقافية التي تحتفي بالحوار بين الأديان.
أقسام المقال
الإسلام في البحرين: الدين الرسمي والأغلبية السكانية
يُعد الإسلام الدين الرسمي في مملكة البحرين بموجب دستور البلاد، ويُشكل المسلمون غالبية السكان. ووفق أحدث التقديرات، تُشكّل نسبة المسلمين من سكان الشعب البحريني (المواطنين فقط) حوالي 99%. أما من حيث إجمالي السكان بمن فيهم المقيمون، فتصل نسبتهم إلى نحو 73% إلى 74%.
تتنوع الطوائف الإسلامية في البحرين ما بين السنة والشيعة، حيث يُشكل الشيعة نسبة تُقدر بنحو 55% من السكان المسلمين، بينما يمثل السنة حوالي 45%. يتمتع كل من المذهبين بحضور ديني قوي ومؤسسات خاصة بهم، كالمساجد والمآتم والجوامع ومجالس العلماء.
يُعرف المجتمع الشيعي البحريني بتركيزه على المآتم ومراسم عاشوراء، والتي تُعتبر من أبرز المناسبات الدينية في البلاد. في المقابل، يتميز المجتمع السني بتنظيم حلقات العلم والدروس الشرعية في المساجد، لا سيما خلال شهر رمضان. كما تتبنى الدولة نظامًا قضائيًا مزدوجًا ينظم الأحوال الشخصية وفقًا للمذهب، ما يعكس الاحترام المؤسسي للتنوع المذهبي داخل الإسلام.
المسيحية في البحرين: ثاني أكبر ديانة
تُعد المسيحية ثاني أكبر ديانة في البحرين، وتمتد جذورها إلى بدايات القرن العشرين حين بدأت الجاليات الغربية والعربية المسيحية بالاستقرار في البلاد. يُقدَّر عدد المسيحيين بحوالي 14.5% من إجمالي السكان، مع تنوع مذهبي يشمل الكاثوليك والأرثوذكس والإنجيليين وغيرهم. ويتمتع المسيحيون بحرية تامة في ممارسة شعائرهم، حيث تنتشر الكنائس في مناطق مختلفة مثل العدلية والجفير والعوالي.
من أبرز الكنائس في البحرين: الكنيسة الإنجيلية الوطنية، والكنيسة الكاثوليكية، وكاتدرائية سيدة العرب التي افتُتحت مؤخرًا وتُعد واحدة من أكبر الكاتدرائيات في الخليج. كما يُشارك العديد من المسيحيين البحرينيين في العمل السياسي والاجتماعي، ما يدل على اندماجهم الكامل في نسيج المجتمع الوطني.
الهندوسية والديانات الآسيوية الأخرى في البحرين
يمثل الهندوس شريحة كبيرة من الجاليات الأجنبية، ويبلغ عددهم نحو 9.8% من إجمالي السكان. يعود وجود الهندوس إلى العلاقات التاريخية بين البحرين والهند، حيث عمل كثير من الهنود في التجارة واللؤلؤ ثم الصناعة والخدمات. يتوزع أتباع الهندوسية في المنامة والمحرق، ويُمارسون طقوسهم في معابد تاريخية مثل معبد شري كريشنا.
بالإضافة إلى الهندوس، توجد جاليات من أتباع السيخية والبوذية، ومعظمهم من دول جنوب وشرق آسيا، لا سيما نيبال وسريلانكا وبنغلاديش. سمحت الحكومة البحرينية بإنشاء معابد ومراكز دينية لهؤلاء، في إطار احترامها لحرية المعتقد والعبادة.
اليهودية في البحرين: مجتمع صغير وتاريخ عريق
بالرغم من أن عدد اليهود في البحرين لا يتجاوز بضع عشرات، إلا أن لهم جذورًا تعود إلى القرن التاسع عشر. استقر أوائل اليهود القادمين من العراق والهند في البحرين للعمل في التجارة، وكان لهم إسهام ملحوظ في الحياة الاقتصادية. تمتلك الجالية اليهودية كنيسًا ومقبرة في العاصمة، وتُمارس طقوسها في بيئة من الاحترام والتقبل.
في السنوات الأخيرة، برزت شخصيات يهودية بحرينية في المشهد السياسي والدبلوماسي، كان من أبرزهم هدى نونو التي شغلت منصب سفيرة البحرين في واشنطن، ما يعكس مكانة هذه الأقلية واحترام الدولة للتنوع الديني.
التسامح الديني والتعايش في البحرين
تحرص المملكة على تعزيز قيم التسامح والانفتاح، وتُولي اهتمامًا خاصًا بالحوار بين الأديان والثقافات، إذ تستضيف البحرين سنويًا فعاليات مثل ملتقى البحرين للحوار بين الأديان الذي يجمع قادة دينيين من مختلف أنحاء العالم. كما أطلقت البحرين وثيقة التسامح الديني لتأكيد التزامها بالحريات الدينية.
يُشيد المجتمع الدولي بالبحرين باعتبارها نموذجًا للتسامح الديني في المنطقة، خاصةً مع وجود وزارة للتسامح ومؤسسات مجتمع مدني تُعزز التعايش، ما جعلها محطة جذب للكفاءات من مختلف الجنسيات والديانات.
التركيبة السكانية وتأثيرها على التنوع الديني
يبلغ عدد سكان البحرين حوالي 1.5 مليون نسمة، يتوزعون بين المواطنين الأصليين والمقيمين الوافدين. يشكل الأجانب الغالبية بنسبة تقارب 54%، وهم من جنسيات متعددة، من ضمنها الهند، الفلبين، سريلانكا، وأوروبا. هذا التنوع الكبير في الجنسيات يُنتج بصورة طبيعية فسيفساء دينية متنوعة تُغني الثقافة البحرينية.
ويُمكن ملاحظة هذا التعدد في مختلف نواحي الحياة اليومية: من المطاعم التي تُقدم أطعمة حلال وهندية وبوذية، إلى الأسواق التي تبيع رموزًا دينية من مختلف المعتقدات، إلى الفعاليات الوطنية التي تُرحب بمشاركة الجميع دون تمييز.
الختام: البحرين نموذج للتعايش الديني
تُبرهن البحرين على أن التعايش الديني ليس مجرد شعارات، بل هو ممارسة حقيقية ومستمرة، يتجسد في القوانين، والمؤسسات، وسلوك المواطنين. يُعد احترام التنوع والتعددية أحد أعمدة الهوية البحرينية، وهو ما جعل المملكة مثالًا يُحتذى في المنطقة في مجال التسامح والانفتاح.
من خلال احتضانها لمجتمعات دينية متعددة ومنحها مساحة واسعة من الحرية للجميع، تُؤكد البحرين على أن التعايش لا يتعارض مع الهوية الوطنية، بل يُعززها ويدفع نحو مجتمع أكثر استقرارًا وتقدمًا.