الأديان في سيشل

تتمتع جمهورية سيشل، هذا الأرخبيل الخلاب في المحيط الهندي، بتنوع ديني يعكس تاريخها الاستعماري المتنوع، وتقاليدها الثقافية المنفتحة، وتعدد أصول سكانها. رغم أن عدد سكانها يُقدَّر بحوالي 132 ألف نسمة حتى منتصف عام 2025، إلا أن النسيج الروحي والديني فيها غني ومتشعب، ويعبّر عن تعايش سلمي نادر بين الطوائف الدينية المختلفة. في سيشل، لا تُعد الأديان مجرد معتقدات شخصية فحسب، بل تلعب دورًا محوريًا في الحياة اليومية، والمناسبات العامة، والعلاقات المجتمعية. تُبرز التركيبة الدينية للبلاد كيف يمكن للتنوع أن يتحول إلى مصدر قوة ثقافية واجتماعية.

الديانة المسيحية في سيشل: الجذور والتأثير

المسيحية هي العمود الفقري للمشهد الديني في سيشل، وتشكل النسبة العظمى من السكان. ينتمي نحو 75% من السكان إلى الديانة المسيحية، وأكبر طائفة بينهم هي الكاثوليكية، بنسبة تزيد عن 60%. هذا الامتداد الواسع للكاثوليكية يعود إلى النفوذ الفرنسي خلال القرن الثامن عشر، حيث أسس المبشرون والرهبان أولى الكنائس، وأصبح الدين الكاثوليكي مكونًا أساسيًا من ثقافة البلاد. أما الكنيسة الأنجليكانية، التي تمثل البروتستانتية، فتأتي في المرتبة الثانية، وتنتشر بين العائلات ذات الأصول البريطانية. الاحتفالات الدينية المسيحية، مثل عيد الميلاد والفصح، ليست فقط طقوسًا روحية، بل مناسبات وطنية تشارك فيها الدولة، وتُزين فيها الشوارع، وتُنظم العروض الموسيقية والدينية.

الهندوسية في سيشل: حضور متزايد وتأثير ثقافي

الهندوسية تُعد ثاني أكثر الديانات انتشارًا في سيشل، ولها جذور تعود إلى المهاجرين من جنوب الهند، الذين استقروا في الجزيرة للعمل في التجارة والزراعة. يقدَّر عدد الهندوس بنحو 5.4% من السكان، ويشكلون مجتمعًا متماسكًا ومؤثرًا. أحد أبرز معالمهم هو معبد “أرول ميهو نافاساكتي فيناياغار” في فيكتوريا، والذي يشكل نقطة جذب دينية وسياحية. تُقام سنويًا احتفالات تايبوسام كافادي، والتي تحظى بتغطية إعلامية وحضور رسمي، مما يعكس احترام سيشل للمعتقدات المختلفة. الهندوس لا يقتصرون على الممارسات الروحية فحسب، بل لهم دور نشط في التجارة والمجتمع المدني، ويشغل بعضهم مناصب اقتصادية بارزة.

الإسلام في سيشل: مجتمع صغير وتأثير ملموس

رغم أن المسلمين يشكلون نسبة صغيرة من سكان سيشل، لا تتجاوز 1.6%، إلا أن تأثيرهم الثقافي والديني واضح ومقدر. يرجع وجود المسلمين إلى الهجرات القديمة من دول الشرق الأوسط والهند. يوجد في العاصمة فيكتوريا مسجد رئيسي يُعرف باسم “مسجد الشيخ محمد بن خليفة”، وقد تم ترميمه مؤخرًا ليواكب متطلبات المجتمع المتزايدة. يُسمح للمجتمع المسلم بتنظيم الفعاليات الدينية، بما في ذلك صلاة العيد، وحلقات تحفيظ القرآن للأطفال. كما تُبث برامج إسلامية قصيرة عبر الإذاعة الوطنية، في مبادرة تعكس الاعتراف الرسمي بالتعدد الديني. يمتاز المسلمون في سيشل بعلاقات طيبة مع بقية الطوائف، ويساهمون في الأنشطة الاجتماعية والخيرية دون تمييز.

الأديان الأخرى في سيشل: تنوع يعكس الانفتاح

بجانب الديانات الرئيسية، توجد طوائف دينية صغيرة لكنها نشطة، تعكس مدى الانفتاح الذي تتميز به سيشل. من بين هذه الطوائف البهائيون، الذين يمتلكون مركزًا روحيًا صغيرًا، ويشاركون بانتظام في أنشطة الحوار بين الأديان. كما توجد جماعات بوذية، خصوصًا من بين الزوار الدائمين والسيّاح المقيمين لفترات طويلة. حركة براهمة كوماريس لديها أيضًا تواجد محدود، لكنها تُنظم فعاليات تأملية ومحاضرات روحية، تُرحب بها قطاعات من الشباب الباحثين عن السلام الداخلي. كذلك تُمارس بعض الطقوس التقليدية الأفريقية المرتبطة بالأجداد، لا سيما في القرى الريفية، وإن لم يتم الاعتراف بها كديانات رسمية، فإنها تظل جزءًا من الوعي الثقافي للمجتمع.

الحرية الدينية في سيشل: إطار قانوني يدعم التعددية

تُعد سيشل من الدول التي تُكرّس حرية الدين كحق دستوري مكفول لجميع المواطنين. ينص الدستور على حرية الاعتقاد والممارسة دون تدخل من الدولة، ويمنع أي تمييز ديني في العمل أو التعليم. الجهات الحكومية تُبدي تعاونًا ملحوظًا مع المجموعات الدينية في تنظيم المناسبات، وتقديم التصاريح لبناء دور العبادة. كما أن المناهج التعليمية أصبحت تراعي الخلفية الدينية المتنوعة للطلاب، مع تقديم محتوى عن القيم الإنسانية المشتركة. في السنوات الأخيرة، لوحظ نشاط أكبر لمنظمات حوار الأديان، التي تهدف إلى تعزيز الاحترام بين المجتمعات الدينية، ومحاربة التطرف أو التمييز.

خاتمة: سيشل كنموذج للتعايش الديني

إن النموذج الديني في سيشل يُعد مثالًا حيًا على إمكانية التعايش بين أتباع مختلف العقائد في بيئة سلمية. فرغم الخلفيات الثقافية المتعددة، استطاعت البلاد أن تُرسخ ثقافة الاحترام المتبادل والتفاهم الديني. لا يُنظر إلى الدين باعتباره عنصر تفرقة، بل كجسر للتواصل الروحي والثقافي بين الناس. ومن خلال السياسات الداعمة، والمؤسسات الفاعلة، والانفتاح المجتمعي، يمكن اعتبار سيشل نموذجًا يُحتذى به لدول العالم في إدارة التنوع الديني بمسؤولية وذكاء.