الحياة في السودان

تُعتبر السودان واحدة من أكثر الدول تعقيدًا من حيث مزيجها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وهي تعيش في عام 2025 حالة من الاضطراب المتواصل الذي ينعكس على كافة تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين. تشهد البلاد صراعًا داخليًا مسلحًا منذ أبريل 2023، تسبب في انهيار قطاعات حيوية، وخلق واقعًا جديدًا يتسم بعدم الاستقرار، وصعوبة الوصول إلى أساسيات الحياة. ورغم الجهود الدولية والإقليمية لحلحلة الأزمة، إلا أن الحياة في السودان لا تزال مليئة بالتحديات، والشارع السوداني غارق في أزمات متداخلة تمتد من الأمن إلى الاقتصاد، ومن الصحة إلى التعليم، وسط آمال ضئيلة بإمكانية قريبة للنجاة من هذا النفق المظلم.

صراع مسلح ومشهد سياسي متأزم

منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تحولت العاصمة الخرطوم ومدن أخرى إلى ساحات حرب حقيقية. الخسائر البشرية والمادية كانت فادحة، مع تدمير أحياء سكنية بالكامل، ونزوح الملايين داخليًا وخارجيًا. ورغم إعلان الجيش في مارس 2025 عن تشكيل حكومة تكنوقراطية برئاسة د. دفالله الحاج علي، لم تفلح هذه الخطوة في إحداث اختراق جوهري في مسار الأزمة، خاصة في ظل تمسك قوات الدعم السريع بمواقعها غرب البلاد. التعقيد السياسي لا يقتصر على طرفي النزاع فحسب، بل يمتد ليشمل كيانات مدنية وشعبية تطالب بحكم ديمقراطي مدني ووقف الحرب فورًا.

الواقع الاقتصادي والانهيار المتسارع

يعاني الاقتصاد السوداني من شلل شبه تام منذ بدء الحرب، حيث خرجت القطاعات الإنتاجية عن الخدمة، وتعطلت الصادرات الزراعية والمعدنية، وتفاقم العجز التجاري. سعر صرف الجنيه السوداني انهار أمام العملات الأجنبية، وأدى التضخم المفرط إلى جعل معظم السلع الأساسية بعيدة عن متناول المواطن العادي. تشير بيانات غير رسمية إلى أن نسبة الفقر تجاوزت 70% من السكان، مع تراجع كبير في الأجور وتوقف الخدمات الحكومية. وتسعى بعض المبادرات المحلية والدولية لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، إلا أن الاحتياجات تتجاوز بكثير الإمكانيات الحالية.

الصحة في مهب الريح

القطاع الصحي من أكثر القطاعات تضررًا في السودان، حيث توقفت أغلب المستشفيات عن العمل نتيجة للدمار أو انعدام الوقود والأدوية. مئات من الأطباء غادروا البلاد، مما أدى إلى فراغ طبي كارثي في المناطق المنكوبة. الأمراض المعدية مثل الكوليرا وحمى الضنك عادت للظهور في بعض الولايات، خاصة في مراكز الإيواء المزدحمة التي تفتقر لأدنى شروط النظافة. الاتفاق الأخير بين البنك الدولي ومنظمات الصحة العالمية هدفه توفير الرعاية الأساسية لـ8 ملايين سوداني، لكن تطبيقه يواجه تحديات أمنية ولوجستية حقيقية.

تعليم منهار وجيل مهدد بالضياع

المدارس في معظم الولايات إما مغلقة أو مدمرة أو تحولت إلى مراكز لجوء للنازحين. حوالي 17 مليون طالب وطالبة انقطعوا عن الدراسة منذ بدء الحرب، وهو رقم كارثي ينذر بجيل كامل بدون تعليم. وتواجه وزارة التربية والتعليم تحديات في تنفيذ خطة الإصلاح المؤقتة، التي تشمل التعليم عن بعد، وبناء مدارس مؤقتة في المناطق الآمنة، وتدريب المعلمين نفسيًا ومهنيًا للتعامل مع الطلاب في ظل النزاع.

الحياة اليومية للمواطنين

يعيش السودانيون حالة من التكيّف القسري مع واقع يزداد قسوة يومًا بعد يوم. الحصول على مياه نظيفة أو طعام كافٍ أو كهرباء منتظمة أصبح حلمًا بالنسبة لكثير من الأسر، خاصة في العاصمة الخرطوم ومدن دارفور وكردفان. أصبح التنقل محفوفًا بالمخاطر بسبب انتشار نقاط التفتيش المسلحة وقطع الطرق. الأسواق تعمل جزئيًا وبأسعار خيالية، فيما لجأت بعض العائلات إلى تبادل السلع أو الاعتماد على الزراعة المنزلية للبقاء.

دور المرأة في ظل الحرب

رغم الظروف القاسية، برز دور المرأة السودانية كعنصر فاعل في الصمود والمقاومة. النساء يقمن بإدارة شؤون الأسرة، وتوفير الدعم النفسي للأطفال، والانخراط في مبادرات المجتمع المدني لتوزيع الإغاثة والمساعدات. تعرضت الكثير من النساء لانتهاكات خلال الحرب، إلا أن العديد منهن قررن عدم الاستسلام، وتحويل الألم إلى قوة مجتمعية تدعو للسلام والمصالحة.

آفاق ضبابية ومستقبل غامض

رغم الجهود الدولية والمساعي المحلية للوصول إلى وقف إطلاق نار دائم، لا تزال الأوضاع مفتوحة على كافة السيناريوهات. انعدام الثقة بين أطراف النزاع، وتعقيد الخارطة السياسية، وتداخل المصالح الإقليمية، كلها تُبقي الأمل ضعيفًا أمام السودانيين. ومع ذلك، فإن إرادة الشعب السوداني، المعروف بقدرته على الصبر والمقاومة، تبقى نقطة الضوء الوحيدة وسط هذا الظلام الكثيف. المستقبل في السودان رهين بما إذا كان السلاح سيصمت، والعقل سيحكم، والشعب سيجد فرصته أخيرًا ليحيا حياة كريمة.