الحياة في الصومال

تُعد الصومال إحدى أكثر دول القرن الإفريقي جذبًا للأنظار، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي المهم على خليج عدن والمحيط الهندي، بل بسبب طبيعة حياتها اليومية التي تمزج بين الصراع والبقاء، وبين الأمل والتنمية. في عام 2025، لا تزال الصومال تواجه أزمات متداخلة، من نزاعات مسلحة وأزمات إنسانية متفاقمة، إلى تحديات اقتصادية عميقة، بينما تسعى جاهدة لترسيخ الأمن والاستقرار وتحقيق الانتعاش التدريجي. حياة المواطن الصومالي اليوم تتطلب صبرًا استثنائيًا، وشجاعة في مواجهة واقع معقد ومليء بالتحديات.

الوضع الأمني: بين محاولات الاستقرار واستمرار التهديدات

رغم النجاحات الأمنية المحدودة، لا تزال جماعة الشباب تشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن الداخلي في الصومال. خلال الأشهر الأولى من عام 2025، نفذت الجماعة عدة عمليات دموية، استهدفت مقار حكومية ونقاط تفتيش أمنية، وأجبرت آلاف السكان على الفرار من قراهم. تحاول الحكومة التصدي لهذه الهجمات بمساندة من بعثة الاتحاد الإفريقي والقوات الأمريكية التي كثفت ضرباتها الجوية ضد معاقل التنظيم. إلا أن ضعف البنية التحتية للجيش الوطني وانعدام الثقة بين السكان والقوات الأمنية يعرقلان التقدم الحقيقي نحو الاستقرار الشامل.

الواقع الإنساني: أزمات متكررة وتدخل دولي محدود

الواقع الإنساني في الصومال يزداد سوءًا عامًا بعد عام. الجفاف الذي استمر لخمسة مواسم متتالية دمّر مصادر رزق الملايين، خاصة الرعاة والمزارعين، وأدى إلى نزوح أكثر من 3.8 مليون شخص داخليًا. كما تعاني العديد من المناطق من شُحّ المياه النظيفة وانتشار الأمراض المنقولة عبر المياه مثل الكوليرا. ورغم التحذيرات المتكررة من وكالات الإغاثة، فإن الاستجابة الدولية تبقى دون المستوى المطلوب، وقد زادت الأمور سوءًا بعد قرار الولايات المتحدة تعليق جزء من مساعداتها لأسباب تتعلق بآليات الرقابة على التوزيع.

الاقتصاد المحلي: هشاشة مستمرة ومحاولات للإنعاش

اقتصاد الصومال يعتمد بشكل أساسي على التحويلات المالية من المغتربين، إلى جانب قطاعات الزراعة والرعي وصيد الأسماك. وقد شهدت البلاد مؤخرًا محاولات حثيثة لتحسين البيئة الاستثمارية، خاصة في العاصمة مقديشو التي بدأت تشهد تدفق بعض الاستثمارات العقارية والتجارية. كما بدأت الحكومة الصومالية في اعتماد نظام ضريبي إلكتروني في بعض المدن لتحسين الإيرادات العامة. إلا أن الفساد، وغياب السياسات الاقتصادية طويلة الأمد، وتدهور الخدمات الأساسية، لا تزال تمثل عقبات رئيسية أمام تحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي.

التعليم: تحديات مزمنة وخطط إصلاحية واعدة

تُعد نسبة الالتحاق بالمدارس في الصومال من أدنى النسب في العالم، خاصة في المناطق الريفية والنائية. كما يعاني القطاع من نقص حاد في الكوادر التعليمية، وضعف مناهج التعليم، وانعدام البنية التحتية المدرسية. إلا أن خطة الحكومة الوطنية 2025-2029 تتضمن إنشاء مئات المدارس الجديدة، وتدريب آلاف المعلمين، وتحسين جودة المناهج بالتعاون مع منظمات دولية. كما تم تدشين مبادرات لتعزيز تعليم الفتيات والحد من التسرب الدراسي، خاصة في المجتمعات التي تعاني من النزوح.

الرعاية الصحية: جهود مكثفة وسط بيئة معقدة

القطاع الصحي في الصومال يواجه ضغوطًا هائلة، خاصة مع انتشار أمراض مثل الملاريا والسل والتيفوئيد. كثير من المستشفيات والمراكز الصحية لا تعمل بكامل طاقتها، وتفتقر إلى الأدوية والمعدات الأساسية. ومع ذلك، بدأت تظهر بوادر تحسن نسبي في بعض المناطق بفضل شراكات بين الحكومة ومنظمات أممية مثل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، حيث تم افتتاح مراكز طوارئ جديدة وتوسيع نطاق حملات التطعيم. كما تسعى وزارة الصحة لرقمنة سجلات المرضى وتعزيز التغطية الصحية في الأرياف.

المرأة الصومالية: دور محوري رغم المعوقات

رغم القيود الثقافية والاجتماعية، تلعب المرأة الصومالية دورًا مهمًا في دعم المجتمع، خاصة في مجالات التعليم والإغاثة والتجارة المحلية. بدأت بعض النساء في دخول المجال السياسي، وهناك نائبات في البرلمان يطالبن بتشريعات تعزز حقوق المرأة وتكافؤ الفرص. كما تنشط النساء في مجتمعات المهجر في دعم برامج تعليمية وصحية داخل البلاد. إلا أن الكثير منهن لا يزلن يعانين من العنف القائم على النوع الاجتماعي، والزواج القسري، وحرمانهن من حقوق أساسية، مما يتطلب تدخلات قانونية وتوعوية موسعة.

الإعلام والمجتمع المدني: بين التحدي والتطور

شهد الإعلام الصومالي تطورًا نسبيًا في السنوات الأخيرة، مع إطلاق العديد من القنوات والإذاعات والمواقع الإلكترونية. كما أصبح للمجتمع المدني حضورٌ أكبر، عبر مئات الجمعيات والمبادرات التي تعمل في مجالات حقوق الإنسان، وتمكين الشباب، وحماية البيئة. لكن لا تزال حرية التعبير مهددة، حيث يواجه الصحفيون مضايقات وتهديدات مستمرة من الجماعات المسلحة وأحيانًا من السلطات نفسها. تحتاج البلاد إلى إطار قانوني يضمن استقلال الإعلام ويعزز العمل المدني المسؤول.

خاتمة: أمل يتجدد رغم التحديات

الحياة في الصومال لا تخلو من القسوة، لكنها أيضًا مليئة بالقصص التي تعكس قوة الإنسان الصومالي وقدرته على التكيف والمواجهة. في قلب كل أزمة، يولد مشروع صغير أو مبادرة تطوعية تعيد الأمل. في كل زاوية من زوايا مقديشو أو هرجيسا، يمكن أن ترى سعيًا حثيثًا نحو الأفضل. الصومال اليوم يقف على مفترق طرق، فإما أن يستمر في دورانه ضمن دائرة الأزمات، أو ينجح في كسرها من خلال الوحدة الوطنية، واستثمار موارده، وتمكين شبابه ونسائه، ووضع رؤية واقعية لمستقبل أكثر عدلاً واستقرارًا.