يمر العراق بمرحلة دقيقة من تاريخه، حيث تتقاطع آثار الماضي القريب مع تطلعات الحاضر، وتتشابك التحديات مع الآمال المتجددة. فبين إرث الحروب والصراعات من جهة، والموارد الطبيعية والطاقات البشرية من جهة أخرى، يحاول العراق إعادة تشكيل واقعه وصياغة مستقبل يستحقه شعبه. يتناول هذا المقال أبرز ملامح الحياة في العراق اليوم، من الاقتصاد والسياسة إلى الخدمات والأمن والمجتمع.
أقسام المقال
الواقع الاقتصادي في العراق
يُعد الاقتصاد العراقي من أكثر الاقتصادات تعقيدًا في المنطقة، بسبب اعتماده شبه الكلي على عائدات النفط. فقد ساهم ارتفاع أسعار النفط خلال العامين الماضيين في تعزيز الاحتياطي النقدي، حيث تجاوز 100 مليار دولار، مما أعطى الحكومة هامشًا نسبيًا لتنفيذ بعض المشاريع المتوقفة.
لكن رغم هذا التحسن النسبي، ما زال الاقتصاد يواجه مشكلات هيكلية، أهمها: ضعف الاستثمار المحلي والأجنبي، غياب التنوع الاقتصادي، وتفشي الفساد في المؤسسات. كما أن نسبة التشغيل في القطاع العام تمثل عبئًا على الموازنة، حيث يعمل أكثر من 60% من القوة العاملة في وظائف حكومية محدودة الإنتاجية.
الوضع الاجتماعي والخدمات الأساسية في العراق
يعيش المجتمع العراقي في ظل تحديات اجتماعية متراكمة تشمل تدهور التعليم، وتفاوت جودة الخدمات الصحية، وضعف البنية التحتية. فرغم محاولات الترميم والتطوير، لا تزال العديد من المدارس تعاني من نقص الكوادر، أو قدم الأبنية، خاصة في المحافظات البعيدة.
وفي قطاع الصحة، تشهد المستشفيات ضغطًا كبيرًا، وافتقارًا للأدوية والمعدات المتقدمة. معدل الأطباء لكل 1000 نسمة ما زال أقل من المعايير الدولية، ما يجعل الرعاية الصحية غير كافية، خصوصًا في المناطق النائية. أما خدمات الكهرباء والمياه فهي تتحسن تدريجيًا، لكنها لا تزال غير مستقرة في أوقات الذروة.
الأمن والاستقرار السياسي في العراق
شهد الوضع الأمني في العراق تحسنًا نسبيًا مقارنة بالعقد الماضي، إذ تراجعت العمليات الإرهابية بشكل كبير، خاصة في بغداد والأنبار ونينوى. يعود ذلك إلى جهود الجيش العراقي والحشد الشعبي في تطهير المناطق من فلول داعش، وكذلك إلى التنسيق الاستخباراتي مع الدول الإقليمية والدولية.
لكن لا تزال التحديات قائمة، أبرزها انتشار السلاح خارج سلطة الدولة، ووجود الميليشيات المسلحة، بالإضافة إلى النزاعات العشائرية التي تندلع أحيانًا بسبب خلافات محلية. من جهة أخرى، يواجه العراق أزمة ثقة بين الشارع والطبقة السياسية، نتيجة لتكرار الأزمات الحكومية، وتعثر تمرير القوانين الإصلاحية.
التنمية المستدامة والرؤية المستقبلية في العراق
وضعت الحكومة العراقية خطة طموحة تمتد حتى عام 2030، تركز على التحول نحو الاقتصاد الرقمي، وتشجيع المشاريع الصغيرة، وتحسين البيئة الاستثمارية. وقد تم تدشين عدد من المدن الصناعية، وتحديث شبكة الاتصالات لتوسيع خدمات الإنترنت عالي السرعة.
كما أن العراق بدأ في تبني سياسات للطاقة المتجددة، من خلال مشاريع الطاقة الشمسية في الجنوب، وذلك للحد من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للطاقة. تهدف هذه الجهود إلى دعم الشباب، وتقليل الهجرة الداخلية والخارجية، وتعزيز العدالة الاجتماعية.
الحياة اليومية والتحديات المجتمعية في العراق
تتنوع أنماط الحياة اليومية بين المناطق الحضرية والريفية، ففي المدن الكبرى مثل بغداد وأربيل والبصرة، تتوفر خدمات ترفيهية وتجارية نسبية، وتنتشر المقاهي الحديثة والمولات، مع نشاط ثقافي متزايد مثل المعارض والندوات.
أما في الأرياف، فتعتمد الحياة على الزراعة وتربية المواشي، مع محدودية الخدمات، ما يدفع كثيرين للهجرة إلى المدن. يعاني الشباب من قلة الفرص، وتواجه النساء تهميشًا في سوق العمل رغم الكفاءات، ما يجعل التحدي الاجتماعي مضاعفًا أمام الفئات الضعيفة.
الثقافة والهوية العراقية
يتميز العراق بتنوعه الثقافي الغني، حيث تتعايش فيه قوميات متعددة كالعرب والأكراد والتركمان، وديانات مثل الإسلام والمسيحية والإيزيدية. هذا التنوع يمثل مصدر قوة حضارية وتاريخية، لكنه يحتاج إلى دعم رسمي لتفعيله في الحياة العامة والمؤسسات.
الفن العراقي بدأ يستعيد مكانته، مع ظهور وجوه شابة في مجالات الغناء والدراما والرسم. كما أن اللغة العربية الفصحى ما زالت حاضرة بقوة في الإعلام والتعليم، إلى جانب اللهجات المحلية المتعددة التي تعكس غنى المجتمع وتاريخه.
الخلاصة
الحياة في العراق مزيج من التحديات والإمكانات، من الإرث الثقيل إلى الحلم بغدٍ أفضل. فرغم ما يعانيه المواطن العراقي من صعوبات يومية، إلا أن هناك جهودًا حقيقية لتحسين الأوضاع، سواء من قبل الدولة أو المجتمع المدني أو المبادرات الفردية. يبقى الأمل في عراق مستقر ومزدهر قائمًا، مدعومًا بالإرادة والتضامن والتغيير التدريجي الذي يلمسه الناس في بعض النواحي.