الحياة في لبنان

يمر لبنان اليوم في عام 2025 بمرحلة دقيقة ومركّبة على مختلف الصعد، حيث تتشابك التحديات الاقتصادية العميقة مع الأزمات السياسية والاجتماعية التي طال أمدها. تتجلى الحياة في لبنان كمرآة لحالة بلد يسعى للخروج من نفق طويل من الأزمات، محاولًا التمسك ببقايا الأمل وسط الانهيارات المتكررة. فمن صعود التضخم، إلى ضعف البنى التحتية، مرورًا بالتجاذبات السياسية والانقسامات الحادة، يعيش اللبنانيون حالة من الترقب والقلق، يقابلها في كثير من الأحيان إرادة صلبة للحياة والاستمرار.

الاقتصاد اللبناني: بين الانكماش والتضخم

الاقتصاد اللبناني لا يزال يتخبط في دائرة الانكماش، متأثرًا بالتراكمات الكارثية التي بدأت منذ أزمة عام 2019، واستمرت حتى العام الحالي دون حلول فعلية. العملة الوطنية فقدت أكثر من 95% من قيمتها مقارنة بما قبل الأزمة، الأمر الذي انعكس على القدرة الشرائية للمواطنين، وزاد من نسب التضخم التي تجاوزت 270% على بعض السلع الأساسية. رغم بعض الجهود الجزئية للإصلاح، مثل إطلاق المنصة الرسمية لصرف الدولار وتحركات مصرف لبنان، إلا أن غياب الثقة بالنظام المالي جعل من هذه المحاولات حلولًا موضعية غير قادرة على معالجة جذور الأزمة.

الأوضاع الاجتماعية: الفقر والبطالة في تصاعد

المشهد الاجتماعي في لبنان بات قاتمًا، حيث أصبح الفقر جزءًا من يوميات غالبية الأسر اللبنانية. بحسب تقديرات مؤسسات محلية، يعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر، بينما وصلت البطالة بين الشباب إلى ما يزيد عن 40%، ما يفتح الباب أمام أزمة نفسية وهجرة متزايدة. والمفارقة أن هذا الانهيار يأتي في بلدٍ لطالما تميز بكفاءاته البشرية العالية ونسبة التعليم المرتفعة، مما يزيد من شعور الإحباط العام، ويُبرز مدى الخسارة الجماعية التي يتكبدها المجتمع اللبناني.

القطاع المصرفي: إصلاحات ضرورية لاستعادة الثقة

أزمة المصارف اللبنانية لا تزال تمثّل أحد أخطر انعكاسات الانهيار الاقتصادي، حيث حُجزت أموال المواطنين لسنوات، وفُقدت الثقة بالقطاع كليًا. في العام الحالي، بدأ تنفيذ قانون إعادة هيكلة المصارف، الذي يستهدف فرز المصارف القابلة للاستمرار عن غيرها، لكن تنفيذ هذا القانون لا يزال بطيئًا ويصطدم بحسابات سياسية ومصالح متشابكة. القطاع المصرفي بحاجة إلى إعادة بناء شامل على أسس الشفافية والمحاسبة، وبدون ذلك، لن يُكتب للنظام المالي اللبناني تعافٍ حقيقي.

الوضع السياسي: حكومة جديدة وآمال بالتغيير

على الصعيد السياسي، كان انتخاب جوزف عون رئيسًا للجمهورية وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة خطوة كبيرة نحو إعادة العمل بالمؤسسات، بعد فراغ دام سنوات. لكن هذه الحكومة، رغم تطلعات الناس، لا تزال تواجه عقبات كبيرة في تمرير خطط إصلاحية وسط ضغوط الأحزاب المتصارعة. التجاذبات السياسية تستمر في تأخير إقرار الموازنة، وخطة التعافي المالي، والاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، ما يجعل أي تقدم ملموس عرضة للتعثر في أي لحظة.

البنية التحتية: دمار واسع وحاجة ماسة لإعادة الإعمار

الكهرباء لا تصل إلى البيوت سوى لساعات محدودة، والمياه مقطوعة عن مناطق واسعة، والطرقات تفتقر إلى الصيانة، وكلها مؤشرات على انهيار شبه كامل للبنية التحتية. في عام 2025، بات الحديث عن إعادة الإعمار ضرورة وجودية، خصوصًا في ظل تكرار الانهيارات في شبكات المياه والصرف الصحي، وتراجع الخدمات الصحية والتعليمية. ورغم وعود المجتمع الدولي بتقديم مساعدات، إلا أن تنفيذ مشاريع الإعمار ما زال مرهونًا بالإصلاح السياسي وضمان الشفافية في توزيع الأموال.

المجتمع المدني: دور فاعل في مواجهة الأزمات

برز دور المجتمع المدني في لبنان كصمام أمان اجتماعي خلال السنوات الماضية، وازداد هذا الدور في عام 2025 مع ازدياد الاحتياجات وانكماش دور الدولة. المبادرات المحلية والجمعيات غير الحكومية توزّع الغذاء والدواء وتؤمّن التعليم للأطفال المهمّشين، كما تتابع قضايا الحريات وحقوق الإنسان في وجه التضييقات المتزايدة. هذا الحضور القوي للمجتمع المدني يعكس قدرة الشعب اللبناني على التنظيم والتعاون، رغم الانهيار الرسمي، ما يعزز الآمال باستمرارية مقاومة الفشل المؤسساتي.

القطاع الصحي: نزيف الكفاءات ونقص الخدمات

الرعاية الصحية في لبنان تعاني من أزمات متلاحقة، تبدأ من هجرة الأطباء وانهيار المستشفيات الحكومية، ولا تنتهي بنقص المعدات والأدوية. في عام 2025، باتت القدرة على الدخول إلى المستشفيات الخاصة محصورة بالفئات القليلة القادرة على الدفع بالدولار، فيما تتكدس الطوابير في المستشفيات الحكومية التي تعاني من ضعف التمويل. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن لبنان يواجه أزمة صحية مركبة، تتطلب تدخلاً دوليًا عاجلًا لتدارك الانهيار الكامل لهذا القطاع الحيوي.

الخلاصة: تحديات مستمرة وآفاق غير واضحة

كل ما سبق يعكس صورة بلد يرزح تحت وطأة أزمات متعددة، تتطلب حلولًا جذرية لا تجميلية. الحياة في لبنان اليوم مزيج من القلق والأمل، من الانهيار والمبادرة، من فقدان الثقة والبحث عن بدائل. ويبقى المستقبل مرهونًا بقدرة النخبة السياسية على تحمل مسؤولياتها، واستعداد المجتمع الدولي لدعم إصلاحات حقيقية، وإصرار اللبنانيين على النهوض رغم كل الأوجاع.