تُعد إريتريا واحدة من أكثر الدول الأفريقية إثارة للجدل فيما يتعلق بالحرية الدينية وهيكل النظام الديني الرسمي فيها. فمنذ استقلالها عن إثيوبيا في أوائل التسعينيات، تبنّت الحكومة سياسات دينية تُوصف بالتقييدية، حيث تميز بين الطوائف الدينية المعترف بها وغير المعترف بها رسميًا، ما انعكس على حياة المواطنين الدينية والاجتماعية بشكل مباشر. يعكس هذا الوضع مزيجًا من الموروث التاريخي والديني العريق والتوجهات السياسية الصارمة المعاصرة، مما يجعل الدين في إريتريا قضية حساسة ومعقدة تستحق الدراسة بعمق.
أقسام المقال
عدم وجود دين رسمي للدولة مع سياسات تفضيلية
رغم أن الدستور الإريتري – الذي لم يُفعَّل بالكامل – ينص على فصل الدين عن الدولة، إلا أن الممارسة الواقعية تظهر وجود ميل واضح من قبل الحكومة نحو طوائف محددة دون غيرها. فلا يوجد دين رسمي معلن، لكن الدولة تعترف فقط بأربع طوائف دينية هي: الكنيسة الأرثوذكسية الإريترية، الإسلام السني، الكنيسة الكاثوليكية، والكنيسة الإنجيلية اللوثرية. ويُسمح فقط لهذه الطوائف بممارسة شعائرها الدينية بحرية نسبية، بينما تُفرض على الطوائف الأخرى قيودٌ صارمة تصل حد الاعتقال.
الإسلام والمسيحية: المكوِّنان الرئيسيان
يشكّل الإسلام والمسيحية المذهبين الأساسيين في التركيبة الدينية لإريتريا. ويُقدر أن المسلمين يشكّلون نحو 50% من السكان، يتركّزون في المناطق الساحلية والشرقية مثل عصب ومصوع، ويتبع معظمهم المذهب السني على الطريقة المالكية. أما المسيحيون فيُقدَّر عددهم بما يقارب 48%، ويتركّزون في المرتفعات الوسطى مثل العاصمة أسمرا، وينتمون غالبًا للكنيسة الأرثوذكسية الإريترية التي تحظى بتاريخ طويل يعود إلى القرون الأولى للمسيحية.
الكنيسة الأرثوذكسية الإريترية: حضور روحي ومؤسسي
تُعد الكنيسة الأرثوذكسية الإريترية المؤسسة الدينية الأقوى من حيث التأثير المجتمعي والسياسي. وقد استقلت عن الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية عام 1993 بعد الاستقلال، وأصبحت منذ ذلك الحين كيانًا دينيًا رسميًا معترفًا به داخل الدولة. كما أن علاقة الكنيسة بالسلطة السياسية كانت متذبذبة، إذ شهدت حالات تدخل حكومي مباشر في شؤونها، أبرزها الإطاحة بالبطريرك أنطونيوس في 2006 ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ما أثار إدانات دولية.
قيود صارمة على الطوائف غير المعترف بها
الطوائف الدينية التي لا تحظى باعتراف رسمي من الدولة، مثل شهود يهوه، والكنائس البروتستانتية المستقلة، والطائفة البهائية، تواجه اضطهادًا ممنهجًا. إذ يُمنع أتباع هذه الديانات من إقامة صلواتهم أو التجمّع في الأماكن الخاصة، وقد تُغلق كنائسهم أو يُعتقل أعضاؤها بشكل تعسفي. كما لا يستطيع أتباع هذه الطوائف العمل في المؤسسات الحكومية أو الحصول على وثائق رسمية بسهولة.
العلاقة بين الدين والهوية القومية
في إريتريا، يتداخل الدين بشكل وثيق مع الهوية القومية والثقافية، وهو ما يظهر في النسيج الاجتماعي الذي يضم تسع قوميات رئيسية. فقبائل مثل “التغرينية” تميل أكثر إلى المسيحية، بينما تنتمي قبائل مثل “البلين” و”الساهو” إلى الإسلام. وتُستخدم هذه الانتماءات الدينية أحيانًا في السياسات الحكومية لتحقيق التوازن بين القوميات المختلفة أو للهيمنة على جماعات بعينها.
الحرية الدينية في ظل الرقابة
تحتل إريتريا مراكز متقدمة ضمن تقارير المنظمات الدولية التي ترصد انتهاكات الحرية الدينية. تُعرف البلاد بأنها واحدة من أكثر الدول قمعًا للممارسات الدينية، حيث يتم تجريم حتى الاجتماعات الدينية الخاصة إذا لم تكن من ضمن الطوائف المعترف بها. وقد أُدرجت ضمن “قائمة الدول التي تثير قلقًا خاصًا” من قبل الولايات المتحدة في ما يخص الحرية الدينية، ما يضع الحكومة الإريترية تحت ضغوط دولية متزايدة.
الخاتمة: واقع معقد وآفاق غامضة
رغم عدم الإعلان عن دين رسمي للدولة، فإن إريتريا تطبّق سياسة دينية تمييزية تمنح الأفضلية لطوائف محددة وتضيق الخناق على البقية. ويؤدي ذلك إلى إضعاف التعددية الدينية وتقويض أسس التسامح داخل المجتمع. وإذا ما أرادت الحكومة الإريترية بناء مجتمع متماسك ومستقر، فإن عليها إعادة النظر في سياساتها الدينية وتوسيع دائرة الاعتراف بالطوائف والمذاهب بما يكفل حرية المعتقد لجميع المواطنين.