الدين الرسمي في إسواتيني 

تُعد مملكة إسواتيني من الدول الإفريقية التي تزخر بتنوع ديني وثقافي يعكس امتزاج الحضارات القديمة مع الحركات الدينية الحديثة. ومع أن المسيحية تُعد الديانة الرسمية والأكثر حضورًا في المجتمع الإسواتيني، إلا أن هذا الواقع الديني لا يخلو من تشابك عميق مع الموروثات الروحانية والمعتقدات التقليدية. في هذا المقال، نأخذ القارئ في جولة موسعة لفهم الدين الرسمي في إسواتيني، وسياقه التاريخي، وأبعاده الاجتماعية، إضافة إلى وضع الأديان الأخرى في المشهد الديني الوطني.

المسيحية: الدين الرسمي في إسواتيني

المسيحية هي الدين الرسمي في إسواتيني، وتُشكّل القاعدة الأساسية للممارسات الدينية في البلاد. ويُقدر عدد المسيحيين بما يتجاوز 90% من السكان، لكن ما يُميز المسيحية في إسواتيني هو طبيعتها المُتشعبة، حيث لا تقتصر على طائفة واحدة، بل تضم طوائف متعددة أبرزها الكنيسة الصهيونية، الكاثوليكية، والبروتستانتية.

الكنيسة الصهيونية، وهي شكل محلي من المسيحية يتداخل مع المعتقدات التقليدية، تُعد الأكثر انتشارًا. تتميز هذه الكنيسة بطقوسها التي تشمل الغناء الجماعي، التنبؤ، والشفاء الروحي، وتستقطب فئة كبيرة من السكان خصوصًا في المناطق الريفية. أما الكنيسة الكاثوليكية، فلها نفوذ واسع في التعليم والخدمات الصحية، وتُدير عددًا من المدارس والمستشفيات.

المعتقدات التقليدية: الجذور الروحية للشعب الإسواتيني

لا يمكن فهم الدين في إسواتيني دون التطرق إلى المعتقدات التقليدية التي تعود إلى ما قبل دخول المسيحية. رغم التحول الرسمي إلى المسيحية، إلا أن هذه المعتقدات لا تزال جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ويُمارسها كثير من المواطنين إلى جانب شعائرهم الكنسية.

يتجلى هذا التداخل في طقوس مثل التواصل مع أرواح الأسلاف وتقديم القرابين في المناسبات الهامة. يؤمن العديد من الإسواتينيين أن أرواح الأجداد تلعب دورًا في حياتهم، وتُوفر الحماية والتوجيه، ويُستشار الأسلاف في أوقات الأزمات. كما أن طقوس مثل “إنكوالا”، وهي احتفال حصاد ملكي، لا تزال تُقام سنويًا وتُمثل ذروة التعبير عن هذا التمازج بين الدين التقليدي والمؤسسات الملكية.

الإسلام والأديان الأخرى: التعددية الدينية في إسواتيني

رغم أن الإسلام لا يُعد من الديانات الرئيسية في إسواتيني، إلا أن وجوده يعود إلى أكثر من قرن، ويُمارسه عدد قليل من السكان، تُقدّر نسبتهم بين 1% إلى 2%. يعود المسلمون في الغالب إلى أصول أجنبية من ملاوي، موزمبيق، والصومال، وقد استقروا في إسواتيني خلال فترات الاستعمار والعمل التجاري.

توجد مساجد ومراكز إسلامية في العاصمة مبابان وبعض المدن الكبرى، حيث تُقام الصلاة والتعليم الديني، ويشارك المسلمون في المجتمع بصورة سلمية دون صدامات دينية. إلى جانب الإسلام، هناك أقليات تدين بالهندوسية والبهائية، إضافة إلى عدد قليل من اليهود، وكلها تُمارَس ضمن إطار من التسامح النسبي.

الدستور وحرية الدين: الإطار القانوني للممارسات الدينية

يضمن دستور إسواتيني حرية الدين والاعتقاد لكل المواطنين، وقد تم تثبيت هذا الحق منذ اعتماد الدستور الجديد في عام 2005. إلا أن هذه الحرية تتجلى بشكل متفاوت، حيث يُلاحظ تفضيل غير مُعلن للمسيحية في الإعلام والتعليم والنظام القضائي.

الكنائس المسيحية تتمتع بحقوق بث دينية عبر الإذاعة والتلفزيون الوطني، بينما تُمنع بعض الجماعات الأخرى من الوصول إلى نفس المنصات. ورغم أن الدستور لا يُقيد ممارسة الشعائر الدينية، إلا أن عمليات تسجيل الطوائف الدينية الجديدة تخضع لإجراءات طويلة ومعقدة.

الدين والمجتمع: التأثير المتبادل بين الإيمان والحياة اليومية

يؤثر الدين في إسواتيني على الحياة اليومية بشكل عميق، حيث تُفتتح الاجتماعات العامة بالدعاء، وتُقيم المدارس احتفالات دينية، وتُبنى السياسات العامة أحيانًا بتوجيه ديني. يشجع الدين على قيم الطاعة، احترام الكبار، التعاون الأسري، والانتماء الجماعي.

كذلك تلعب النساء دورًا بارزًا في الأنشطة الدينية، سواء في الكنائس أو في الطقوس التقليدية، مما يُعزز مكانتهن في المجتمع على مستوى الروح والدور الاجتماعي. وتُشارك الكنائس بقوة في الأعمال الخيرية، خاصة تجاه الأطفال والمرضى والمسنين.

التحديات والفرص: مستقبل الدين في إسواتيني

يواجه المشهد الديني في إسواتيني تحديات تتمثل في غياب التوازن في تمثيل الأديان، وتزايد الدعوات للمزيد من العدالة الدينية وحرية المعتقد، خصوصًا من الأقليات الدينية. ومع ذلك، تُظهر بعض المؤشرات الإيجابية مثل الحوارات البينية، ومحاولات إنشاء منصات دينية مشتركة.

المستقبل يحمل فرصًا لتعزيز التعليم الديني المتنوع، وتوسيع مساحة التعبير عن المعتقد، خاصة مع انفتاح المجتمع على العالم الرقمي وتزايد وعي الشباب. ويُتوقع أن تستمر المسيحية في الهيمنة، لكن مع حضور أكثر وضوحًا للمعتقدات البديلة.

خاتمة

تمثل إسواتيني نموذجًا فريدًا للتعايش بين الدين الرسمي والمعتقدات الشعبية، وبين الأغلبية المسيحية والأقليات الدينية. وبينما تحظى المسيحية بالمكانة الأكبر، إلا أن المجتمع الإسواتيني لا يزال يحتفظ بجذور روحية عميقة تمتد إلى ما قبل الاستعمار. ومع دخول القرن الحادي والعشرين، تواجه إسواتيني مهمة مزدوجة تتمثل في الحفاظ على إرثها الروحي، ومواكبة تحولات الحرية الدينية في عالم متغير.