الدين الرسمي في البحرين 

تُعرف مملكة البحرين بتاريخ طويل من التنوع الثقافي والديني، حيث تميزت على مر العصور بكونها ملتقى للحضارات والتقاليد. وعلى الرغم من كون الإسلام هو الدين الرسمي فيها، إلا أن المجتمع البحريني يضم عددًا من الأديان والمذاهب التي تتعايش فيما بينها في أجواء يغلب عليها التسامح والانفتاح. في هذا المقال، نسلّط الضوء على الدين الرسمي في البحرين، مع نظرة تفصيلية على البنية الطائفية، وواقع الحريات الدينية، ودور الدولة في تنظيم الحياة الدينية.

الإسلام: الدين الرسمي في البحرين

بحسب الدستور البحريني، يُعد الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وتعتبر الشريعة الإسلامية مصدرًا رئيسيًا للتشريع. ويُلاحظ تطبيق مبادئ الشريعة بشكل واضح في القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية للمواطنين المسلمين، مثل الزواج والطلاق والميراث والوصايا. وتقوم الدولة بتمويل المساجد والمؤسسات الدينية، وتعيين الأئمة والخطباء عبر وزارة العدل والشؤون الإسلامية، ما يبرز الدور المركزي للإسلام في الحياة العامة.

التركيبة السكانية للمسلمين في البحرين

يتألف المجتمع المسلم في البحرين من طائفتين رئيسيتين: السنة والشيعة. وتشير التقديرات غير الرسمية إلى أن السنة يشكلون غالبية بسيطة بين المواطنين، بينما يُشكل الشيعة نسبة تقارب النصف. وتنتشر المساجد الجعفرية (الشيعية) والسنية في جميع أنحاء البلاد، مع وجود فروق في العادات والشعائر الدينية بين الطائفتين، خاصة في المناسبات مثل عاشوراء وشهر رمضان.

وقد ساهم التوازن الطائفي النسبي في البحرين في خلق تنوع ديني غني داخل المجتمع الإسلامي، لكنه في الوقت ذاته أوجد تحديات سياسية واجتماعية تتعلق بمستوى التمثيل والمشاركة في الحياة العامة. ومع ذلك، فإن الوعي المجتمعي بأهمية التعايش السلمي والتعاون بين الطوائف يبقى حجر الأساس في الحفاظ على استقرار النسيج الوطني.

الأقليات الدينية في البحرين

بالرغم من أن البحرين دولة إسلامية رسميًا، إلا أنها تحتضن جاليات غير مسلمة تمارس طقوسها بحرية نسبية. توجد كنائس مسيحية للطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية والإنجيلية، إضافة إلى معابد هندوسية وبوذية، بل وحتى كنيس يهودي يعود تاريخه إلى أكثر من قرن. ويبلغ عدد المسيحيين، ومعظمهم من الأجانب، نسبة ملحوظة من السكان، كما توجد طائفة صغيرة من المواطنين المسيحيين.

ويُعتبر وجود هذه الأقليات الدينية علامة على الطابع العالمي المتعدد للبحرين، خاصة مع ازدهار قطاع الأعمال والهجرة منذ منتصف القرن العشرين، ما أتاح فرصًا لتكوين مجتمعات دينية غير مسلمة نشطة ومندمجة جزئيًا في نسيج الحياة العامة.

الحرية الدينية في البحرين

ينص الدستور البحريني على حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، ما يمنح مختلف الطوائف الدينية حق إقامة دور العبادة وإحياء المناسبات الخاصة بهم. ويُلاحظ وجود درجة من التسامح الديني، خاصة في المناسبات الكبرى مثل أعياد الميلاد والديبافالي وعاشوراء. ومع ذلك، توجد بعض القيود التنظيمية التي تُفرض لحفظ النظام العام، مثل ضرورة الحصول على تصاريح للتجمعات الدينية.

وتسعى الدولة إلى إبراز صورة البحرين كمجتمع منفتح ومتسامح دينيًا على الساحة الدولية، من خلال المشاركة في مؤتمرات الحوار بين الأديان، واستضافة فعاليات تُعنى بالسلام والتعايش.

دور الحكومة في دعم التعايش الديني

تلعب الحكومة البحرينية دورًا محوريًا في إدارة الشؤون الدينية، سواء من خلال وزارة العدل والشؤون الإسلامية أو عبر مؤسسات مثل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. تُنظم الدولة دورات تدريبية للأئمة والخطباء، وتُشرف على طباعة المصاحف وتنظيم الخطب الأسبوعية بما يتماشى مع الخطاب الديني المعتدل.

كذلك تُشجع الحكومة على بناء علاقات طيبة بين مختلف الطوائف الدينية، وتُطلق مبادرات توعوية تهدف إلى ترسيخ ثقافة التسامح في المدارس والمؤسسات الإعلامية. وتُوفر كذلك الحماية القانونية لدور العبادة غير الإسلامية، مما يعزز من بيئة التعدد والتنوع.

الأنشطة الدينية والمناسبات العامة

تحتفل البحرين بالعديد من المناسبات الدينية بشكل رسمي وشعبي، حيث تُمنح العطل الرسمية في الأعياد الإسلامية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى. وتُقام المواكب الدينية الشيعية في ذكرى عاشوراء في مناطق مثل المنامة والمحرق والسنابس. وتُعتبر هذه المناسبة من أبرز التظاهرات الدينية التي تنظمها البحرين سنويًا، حيث يتم تأمينها وتنظيمها من قبل الجهات الرسمية.

كما يتم تنظيم احتفالات غير إسلامية بشكل محدود، خاصة في المجمعات التجارية والسفارات والفنادق، مما يُتيح للمقيمين ممارسة طقوسهم الدينية في إطار من التنظيم والاحترام المتبادل.

التحديات والآفاق المستقبلية

رغم كل الإيجابيات، لا تزال البحرين تواجه تحديات مرتبطة بالتنوع الديني، خاصة فيما يخص مسألة تكافؤ الفرص بين الطوائف وضمان التمثيل المتوازن في المناصب العامة. كما أن بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية الدولية تثير من حين لآخر تساؤلات بشأن المساواة بين الطوائف وحرية التعبير الديني.

غير أن البحرين، بحكم موقعها وتاريخها، تملك الإمكانات الكاملة لتطوير نموذج أكثر شمولية، يقوم على الاحترام الكامل لجميع المعتقدات، ويعزز من دور الدين كعامل وحدة لا فرقة. المستقبل يحمل فرصًا حقيقية لترسيخ قيم المواطنة المتساوية وتعزيز الاستقرار من خلال تمكين جميع المكونات من المشاركة الكاملة في الحياة العامة.