الدين الرسمي في العراق

يُعد العراق من أكثر الدول تنوعًا دينيًا في منطقة الشرق الأوسط، ويعكس هذا التنوع جذورًا حضارية وتاريخية ضاربة في القدم، منذ العصور السومرية والبابلية والآشورية، وصولاً إلى العهد الإسلامي وما تلاه من عصور. يُشكّل الدين في العراق عنصرًا أساسيًا في الهوية الوطنية والسياسية، وقد تبلورت هذه الأهمية من خلال النصوص الدستورية والتشريعات الرسمية التي تضع الإسلام في صدارة المشهد الديني للدولة، مع الاعتراف بوجود واحترام الديانات الأخرى.

الإسلام كدين رسمي للدولة العراقية

ينص الدستور العراقي الصادر عام 2005 بوضوح في مادته الثانية على أن “الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع”، ويُؤكد على أن أي تشريع لا يجب أن يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. هذا الاعتراف لا يعني فقط تحديد ديانة الدولة، بل يرسّخ مكانة الإسلام كمظلة قانونية وثقافية، تؤثر على نظام التعليم، وقوانين الأحوال الشخصية، والتشريعات المدنية والجنائية. وتُعتبر هذه المادة من أكثر المواد وضوحًا في ربط النظام القانوني بالقيم الإسلامية، ما يجعلها محور جدل دائم بين دعاة الدولة المدنية وبين القوى السياسية والدينية.

التوزيع المذهبي للمسلمين في العراق

يشكّل المسلمون في العراق الأغلبية الساحقة، ويتوزعون بين طائفتين رئيسيتين هما الشيعة والسنة. الطائفة الشيعية تُشكل غالبية السكان، لا سيما في محافظات الجنوب مثل النجف وكربلاء والبصرة، بالإضافة إلى مناطق من بغداد. أما الطائفة السنية فتتركّز في محافظات الأنبار، صلاح الدين، نينوى، وكركوك. هذا التوزيع المذهبي ليس مجرد اختلاف ديني، بل هو جزء من البنية الاجتماعية والسياسية، ويؤثر على خارطة التحالفات، وتقسيم السلطة، وحتى إدارة الموارد الاقتصادية في البلاد.

الديانات الأخرى في العراق

رغم أن الإسلام هو الدين الرسمي، فإن العراق يتميز بوجود ديانات قديمة لا تزال قائمة حتى اليوم، مثل المسيحية التي تنتمي إلى طوائف متعددة كالسريان والكلدان والآشوريين والأرمن الأرثوذكس. كما توجد طائفة اليزيديين التي تعتبر ديانة مستقلة بجذور غنوصية، وتتمركز في سنجار ومناطق شمال غرب البلاد. وهناك أيضًا الصابئة المندائيون، وهي ديانة موغلة في القِدم، تعيش اليوم في مناطق جنوب العراق وخاصة في ميسان والبصرة. ورغم التراجع العددي الكبير نتيجة الهجرة والاضطهاد، ما زالت هذه الأقليات تُحافظ على هويتها الدينية.

الحرية الدينية والتعددية في العراق

يكفل الدستور العراقي حرية الدين والمعتقد لجميع المواطنين، ويؤكد في المادة (42) على حرية كل فرد في التفكير والضمير والعقيدة. غير أن التطبيق العملي لهذه المواد الدستورية غالبًا ما يواجه صعوبات تتعلق بالوضع الأمني، ونفوذ الجماعات المسلحة، وتدخل المرجعيات الدينية في شؤون الحياة المدنية. رغم ذلك، توجد مبادرات حكومية ومجتمعية تهدف إلى تعزيز ثقافة التعايش بين الأديان، من خلال مناهج التعليم، والحوار بين الطوائف، وتنظيم المناسبات المشتركة، خاصة بعد الانتصار على تنظيم داعش الذي استهدف التنوع الديني بقوة.

التأثير الديني على السياسة والتشريع

منذ سقوط النظام السابق في 2003، أصبح للدين تأثير مباشر وملموس على الحياة السياسية والتشريعية في العراق. فمع تصاعد دور الأحزاب الإسلامية، دخلت المفاهيم الدينية إلى قلب السياسة، سواء من خلال خطابات السياسيين، أو من خلال استشارات المرجعيات الدينية، لا سيما في النجف. وقد تجلّى هذا التأثير في عدة محطات، مثل إصدار قوانين الأحوال الشخصية وفق المذاهب، ومنع بعض الأنشطة الثقافية بحجة مخالفتها للأخلاق العامة. ورغم المحاولات لبناء دولة مدنية، إلا أن هيمنة القوى الدينية على مفاصل الدولة ما زالت تحدّ من هذه الطموحات.

التحديات المستقبلية للتعددية الدينية في العراق

تواجه التعددية الدينية في العراق تحديات كبرى أبرزها الهجرة الجماعية للأقليات الدينية، خاصة بعد موجات العنف التي شهدتها البلاد في العقدين الأخيرين. فالعديد من المسيحيين واليزيديين والصابئة غادروا البلاد هربًا من التهديدات والانتهاكات. كما أن غياب تمثيل حقيقي للأقليات في البرلمان والمؤسسات الحكومية يُضعف من قدرتهم على التأثير في القرارات التي تمس حياتهم. ومع عودة الاستقرار نسبيًا، أصبح من الضروري إطلاق برامج لحماية التنوع الديني، تشمل إعادة الإعمار، ودمج الأقليات في الخطط الوطنية، وإعادة الثقة بينهم وبين مؤسسات الدولة.

الدور الثقافي والاجتماعي للأديان في العراق

لا يقتصر دور الدين في العراق على الممارسات الروحية فحسب، بل يمتد إلى الفنون، واللغة، والعادات الاجتماعية، وحتى التقاليد الاقتصادية. فالمناسبات الدينية مثل عاشوراء، والمولد النبوي، وعيد الغدير، لها طقوسها الخاصة التي تؤثر على حركة المجتمع بشكل عام، وتُشكل جزءًا من الهوية الثقافية للمواطن العراقي. كما أن الطقوس المسيحية مثل عيد الميلاد والفصح، والاحتفالات اليزيدية مثل عيد جما، تعزز التعدد والتكامل بين مكونات المجتمع.

خاتمة

إن الدين في العراق ليس مجرد منظومة إيمانية، بل هو إطار جامع لتاريخ طويل من التعايش والاختلاف والتفاعل. الإسلام، كدين رسمي للدولة، يلعب دورًا محوريًا في رسم السياسات والتشريعات، فيما تحتفظ الأقليات الدينية بمكانة روحية وثقافية خاصة. ورغم التحديات، لا يزال الأمل قائمًا في بناء عراق يعترف بتنوعه، ويحتضن مكوناته، ويُكرّس مفهوم المواطنة الشاملة التي تتجاوز حدود الطائفة والدين.