الدين الرسمي في تنزانيا

تنزانيا، الدولة الواقعة شرق أفريقيا والتي تطل على المحيط الهندي، تُعد واحدة من أبرز الأمثلة في القارة السمراء على التنوع الديني والتعايش السلمي بين أتباع مختلف العقائد. ومع أن تنزانيا تضم مجتمعًا غنيًا بالأعراق واللغات والثقافات، فإن المسألة الدينية فيها تحمل طابعًا فريدًا من التوازن، إذ لا تتبنى الدولة ديانة رسمية، بل تُدار وفق دستور علماني يضمن حرية الدين والمعتقد. هذا الواقع لا يُفهم إلا بفهم أعمق لتركيبة المجتمع التنزاني وتاريخه وتأثيرات الاستعمار والعولمة عليه.

تنزانيا: دولة علمانية بلا دين رسمي

ينص دستور تنزانيا على أن الدولة علمانية، ولا تُفضل ديانة على أخرى، وهو ما يتجلى في غياب أي إشارة إلى ديانة رسمية في النصوص القانونية الأساسية. وقد كان هذا التوجه نابعًا من رغبة القيادة التنزانية، منذ عهد الرئيس الراحل جوليوس نيريري، في تجنب الانقسامات الدينية والطائفية التي قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وبدلاً من ذلك، تم بناء دولة ترتكز على الوحدة الوطنية والتعددية واحترام المعتقدات. ويُمنع بموجب القانون تدخل الدولة في شؤون الدين، كما يُحظر على الجماعات الدينية التدخل في السياسة، ما يُعزز من استقلالية كلا المجالين.

التركيبة الدينية في تنزانيا: تنوع وتوازن

تشير التقديرات السكانية الحديثة إلى أن سكان تنزانيا يتوزعون دينيًا بين ثلاثة مكونات رئيسية: المسيحيون، ويشكلون الأغلبية بنسبة تصل إلى 63%، والمسلمون بنسبة تقارب 34%، فيما تمثل الديانات التقليدية واللادينيون النسبة المتبقية. هذا التوزيع ليس متجانسًا من حيث الجغرافيا، حيث يتركز المسلمون بشكل كبير في الساحل الشرقي وجزر زنجبار، بينما تنتشر الأغلبية المسيحية في المناطق الداخلية والجنوبية. كما توجد أقليات من الهندوس والبهائيين، تعود جذور معظمها إلى الجاليات الهندية والعربية التي استقرت في تنزانيا خلال القرون الماضية.

زنجبار: خصوصية دينية في إطار الوحدة الوطنية

تُعتبر زنجبار، التي تُعد شريكًا في الاتحاد التنزاني منذ عام 1964، حالة خاصة في المشهد الديني. فالغالبية الساحقة من سكانها مسلمون، وتُهيمن الثقافة الإسلامية على المجتمع، سواء في اللباس أو التعليم أو الحياة اليومية. ومع ذلك، فإن الدستور الزنجباري يؤكد، كسابقه الوطني، على احترام حرية الدين والمعتقد. وتعمل السلطات الزنجبارية بالتنسيق مع الحكومة المركزية لضمان بقاء الطابع الديني للمنطقة في إطار من الانسجام مع التوجهات العلمانية للدولة، ما يُحافظ على وحدة البلاد رغم التباينات المحلية.

التعايش الديني في تنزانيا: نموذج للتسامح

من أبرز ما يُميز المجتمع التنزاني هو التعايش اللافت بين مختلف الأديان. في معظم المدن التنزانية الكبرى مثل دار السلام وأروشا وموشي، من الشائع أن ترى المساجد والكنائس متجاورة، وأن تُقام الاحتفالات الدينية وسط أجواء يملؤها الاحترام والمشاركة. كثيرًا ما يشارك المسلمون في الأعياد المسيحية، والعكس صحيح، وهو ما يُعد مؤشرًا قويًا على متانة النسيج الاجتماعي في البلاد. وتلعب العائلات المختلطة دينيًا دورًا كبيرًا في ترسيخ هذا التعايش، حيث لا يُعد الانتماء الديني عائقًا في العلاقات الاجتماعية أو الزواج في كثير من الحالات.

الدين والتعليم في تنزانيا

يشكل التعليم أحد المجالات التي يظهر فيها وضوح السياسة العلمانية للدولة. ففي حين تُوجد مدارس دينية خاصة، سواء إسلامية أو مسيحية، فإن النظام التعليمي الرسمي لا يُميز بين الطلاب على أساس ديني. وتُدرس المواد التعليمية دون تحيّز ديني، مع احترام الخصوصيات الدينية للطلبة، مثل تخصيص أوقات للصلاة أو العطل الدينية. كما تُمنح التراخيص للمؤسسات الدينية بإنشاء مدارس وجامعات، ما دام ذلك لا يتعارض مع قوانين الدولة ومناهجها التربوية.

أثر الاستعمار في التنوع الديني

شهدت تنزانيا عبر تاريخها احتلالات مختلفة، بدءًا من البرتغاليين ثم العرب العمانيين، وصولًا إلى الاستعمارين الألماني والبريطاني. وقد ساهم كل من هذه القوى في إدخال وتوسيع نفوذ ديانات معينة. فعلى سبيل المثال، عمل العرب على نشر الإسلام، خصوصًا في الساحل وجزر زنجبار، بينما رعى البريطانيون البعثات التبشيرية المسيحية التي أسست مدارس ومستشفيات في الداخل. هذا الإرث الاستعماري، رغم سلبياته، أسهم في تشكيل المشهد الديني الحالي، وجعل من تنزانيا بوتقة دينية فريدة في تنوعها.

التحديات والآفاق المستقبلية

رغم النموذج الإيجابي للتعايش في تنزانيا، إلا أن بعض التحديات تلوح في الأفق، من أبرزها محاولات بعض الجماعات المتطرفة استغلال الدين لأهداف سياسية. كما أن الفقر والبطالة قد يدفعان بعض الشباب نحو التشدّد أو الانعزال الطائفي. لكن في المقابل، تُواصل الحكومة بالتعاون مع الزعامات الدينية العمل على برامج حوار الأديان، ونشر ثقافة السلام، وتشجيع المبادرات المجتمعية المشتركة. وتُعد تنزانيا اليوم واحدة من الدول التي تنظر إلى الدين كعامل توحيد وبناء، لا كأداة للفرقة والانقسام.