تُعدّ الرواتب في إسواتيني من القضايا الاقتصادية والاجتماعية المحورية التي تعكس حجم التحديات التنموية التي تواجهها المملكة الصغيرة الواقعة في الجنوب الإفريقي. فبينما تسعى البلاد إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتخفيف معدلات الفقر، يبقى تنظيم الرواتب وتحقيق العدالة في الأجور بين العاملين أحد المعايير المهمة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي. في هذا المقال، نستعرض المشهد الكامل للرواتب في إسواتيني، من الحد الأدنى للأجور ومتوسط الدخل، إلى التفاوت بين القطاعات والمهن المختلفة، مرورًا بتكلفة المعيشة والتحديات المستقبلية.
أقسام المقال
متوسط الرواتب في إسواتيني
تشير التقديرات لعام 2025 إلى أن متوسط الراتب الشهري في إسواتيني يبلغ نحو 8,500 ليلانجيني، أي ما يعادل 470 دولارًا أمريكيًا تقريبًا. ويُلاحظ أن هذا المتوسط لا يعكس بالضرورة واقع جميع المواطنين، نظرًا للتباين الكبير في توزيع الدخول بين المناطق الحضرية والريفية، وبين القطاع العام والخاص، وبين المهن المختلفة. فالرواتب الأعلى تتركز غالبًا في العاصمة مبابان ومدينة مانزيني، حيث تنتشر الشركات الخاصة والدوائر الحكومية، بينما يقل متوسط الدخل في المناطق الريفية التي تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة التقليدية.
الحد الأدنى للأجور في إسواتيني
في عام 2025، شهدت إسواتيني تحديثًا مهمًا في نظام الحد الأدنى للأجور، حيث أصدرت وزارة العمل أوامر أجور جديدة لعدة قطاعات، أبرزها البناء، التصنيع، والفنادق. وتضمنت هذه الأوامر زيادات واضحة في الأجور الأساسية التي يتقاضاها العمال بحسب تصنيفهم:
- العمال العامون في قطاع البناء: 13.66 ليلانجيني في الساعة.
- الحرفيون من الدرجة الثالثة: 14.09 ليلانجيني في الساعة.
- الحرفيون من الدرجة الثانية: 19.26 ليلانجيني في الساعة.
- الحرفيون من الدرجة الأولى: 27.83 ليلانجيني في الساعة.
- سائقو المعدات الثقيلة: 26.32 ليلانجيني في الساعة.
- سائقو الرافعات: بين 25.14 و26.99 ليلانجيني في الساعة.
أما في قطاع الفنادق، فقد تراوحت الرواتب الشهرية بين 1,501.50 ليلانجيني للعاملين في خدمات الغرف والنظافة، و3,523.52 ليلانجيني للطهاة المحترفين من فئة “Chef de Partie”. وشملت هذه التعديلات أيضًا فئات مثل موظفي الاستقبال، الحراس، المساعدين في المطابخ، والنوادل، ما يعكس تطورًا نسبيًا في سياسة الأجور لضمان العدالة وتحسين ظروف العمل.
تفاوت الرواتب بين القطاعات في إسواتيني
تتجلى الفروقات بين الرواتب بشكل حاد عند مقارنة القطاع العام بالقطاع الخاص. حيث تمنح الحكومة رواتب ومزايا أفضل نسبيًا لموظفيها، خاصة في المناصب الإدارية والتعليمية والصحية. في المقابل، يعاني العديد من العاملين في القطاع الخاص، وخصوصًا في المصانع والقطاع الزراعي، من أجور منخفضة وظروف عمل شاقة. وتؤثر طبيعة كل قطاع وحجم أرباحه على قدرة أرباب العمل على دفع رواتب تنافسية، مما يؤدي إلى حركة انتقال دائمة للعمالة نحو القطاع الحكومي بحثًا عن الأمان المالي.
الرواتب حسب المهن في إسواتيني
تختلف الرواتب في إسواتيني تبعًا للمهنة، سنوات الخبرة، والموقع الجغرافي. وفيما يلي نظرة تقريبية على رواتب بعض المهن الشائعة في 2025:
- المحاسب القانوني: من 8,000 إلى 60,000 ليلانجيني شهريًا.
- مدير التسويق: من 20,000 إلى 150,000 ليلانجيني.
- أخصائي تخدير: من 75,000 إلى 500,000 ليلانجيني.
- مهندس برمجيات: من 10,000 إلى 80,000 ليلانجيني.
- مطور React JS: من 8,000 إلى 35,000 ليلانجيني.
- المعلم في المدارس العامة: من 7,000 إلى 18,000 ليلانجيني.
- الممرض/الممرضة: من 9,000 إلى 25,000 ليلانجيني.
ويتضح من هذه الأرقام أن القطاعات الصحية والتقنية هي الأعلى أجرًا، بينما تبقى مهن التعليم والخدمات أقل من حيث الرواتب رغم أهميتها المجتمعية.
تكاليف المعيشة في إسواتيني مقارنة بالرواتب
تُعدّ إسواتيني من الدول ذات الكلفة المعيشية المتوسطة في إفريقيا، إذ تبلغ تكلفة المعيشة للفرد حوالي 484 دولارًا شهريًا. بينما يبلغ متوسط الراتب بعد خصم الضرائب 478 دولارًا، ما يعني أن معظم العاملين بالكاد يغطون نفقات المعيشة الأساسية. تتضمن هذه النفقات السكن، الطعام، المواصلات، والرعاية الصحية. ويُلاحظ أن الأجور في بعض القطاعات لا تواكب هذه التكاليف، مما يدفع كثيرين إلى اللجوء إلى أعمال إضافية أو الهجرة نحو الدول المجاورة مثل جنوب إفريقيا بحثًا عن دخل أفضل.
الرواتب والبطالة في إسواتيني
تواجه إسواتيني معدل بطالة مرتفع، خاصة بين الشباب، وهو ما يشكل ضغطًا إضافيًا على سوق العمل ويؤثر على الأجور. ففي ظل كثرة المتقدمين للوظائف، تلجأ بعض الشركات إلى تخفيض الرواتب أو تقديم عروض غير تنافسية، وهو ما يؤثر سلبًا على جودة الحياة ويزيد من التفاوت الاجتماعي. وتزداد المشكلة تعقيدًا مع وجود اقتصاد غير رسمي كبير يعمل فيه الكثيرون دون عقود رسمية أو ضمانات اجتماعية.
التحديات والفرص المستقبلية في إسواتيني
رغم هذه التحديات، تملك إسواتيني العديد من الفرص لتحسين مستوى الرواتب وزيادة دخل الفرد. من بين هذه الفرص:
- الاستثمار في التعليم والتدريب المهني لتعزيز مهارات القوى العاملة.
- تحفيز القطاعات الناشئة مثل التكنولوجيا والخدمات الرقمية.
- تحسين البيئة التشريعية لحماية حقوق العمال وتثبيت الأجور العادلة.
- جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتطوير الصناعات التحويلية.
ويكمن التحدي الأكبر في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يتطلب تدخلًا حكوميًا مدروسًا وتعاونًا بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.