السياحة في إريتريا

رغم أن اسمها لا يتردد كثيرًا في قوائم الوجهات السياحية التقليدية، إلا أن إريتريا تخفي بين جبالها وسواحلها وأزقتها تراثًا فريدًا وطبيعة ساحرة تستحق الاستكشاف. تُعد هذه الدولة الواقعة في القرن الإفريقي كنزًا دفينًا لعشاق المغامرات، الباحثين عن الأصالة، والهاربين من صخب السياحة التجارية. تتناغم في إريتريا العمارة الكلاسيكية مع الأزقة النابضة بالحياة، والصحاري القاحلة مع البحار الكريستالية، والثقافات المتعددة مع روح الضيافة الرفيعة. إذا كنت تبحث عن تجربة سفر غير مألوفة، حيث يختلط القديم بالجديد في تناغم فريد، فإن إريتريا هي وجهتك المنشودة.

أسمرة: عندما تلتقي الحداثة بالأصالة

تجمع العاصمة أسمرة بين الطابع الإيطالي الكلاسيكي وروح شرق إفريقيا، لتشكّل لوحة فنية حية لا مثيل لها. تُلقب بـ”روما إفريقيا”، حيث تنتشر فيها مبانٍ على الطراز الآرت ديكو، والمقاهي ذات الطابع الأوروبي، والأسواق الشعبية التي تحتفظ بروح إريترية خالصة. التجول في شوارعها يشبه العودة في الزمن، حيث تجد محطة فيات تاغلييرو التي صُممت على هيئة طائرة، جنبًا إلى جنب مع مساجد وكنائس تعود لعقود ماضية، ما يعكس التعايش الديني والتاريخي المتناغم. كما تضم المدينة متاحف تُبرز التراث القومي والمقاومة ضد الاستعمار، وأسواقًا للحرف اليدوية تعكس عبقرية الصناعات المحلية.

مصوع: ذاكرة التاريخ وروعة البحر

تقع مدينة مصوع على ساحل البحر الأحمر، وتُعد من أقدم المدن الساحلية في المنطقة، حيث لعبت دورًا تجاريًا وثقافيًا محوريًا عبر القرون. شوارعها مرصوفة بالأحجار القديمة، ومبانيها تتميز بهندسة معمارية عثمانية وإيطالية. يُعد ميناؤها شاهدًا على حضارات مرت عبر البحر الأحمر، بينما تتيح شواطئها النظيفة فرصًا مثالية للسباحة والاسترخاء. يمكن للسائح أيضًا الانطلاق من مصوع إلى جزر دهلك القريبة، والتي تُعتبر من أبرز مواقع الغوص في العالم لما تزخر به من شعاب مرجانية وكائنات بحرية نادرة.

كرن: عاصمة التلال والأسواق التقليدية

كرن مدينة جبلية ساحرة تقع شمال غرب البلاد، وتحتفظ بأجواء تقليدية فريدة، إذ تُقام فيها أسواق أسبوعية للجمال والخراف، كما تشتهر بنشاطها الزراعي البسيط وتقاليدها القبلية الأصيلة. يمكن زيارة المقابر التاريخية التي تضم جنودًا إيطاليين من الحرب العالمية الثانية، أو التمتع بمشهد الغروب من المرتفعات المحيطة التي تكشف منظرًا بانوراميًا يخطف الأنفاس.

أرخبيل دهلك: الجنة المنسية

يتكوَّن هذا الأرخبيل من أكثر من 200 جزيرة تقع على البحر الأحمر، وتُعد موطنًا لمواقع غوص مدهشة وكنوز أثرية تحت سطح البحر. تحظى هذه الجزر باهتمام محلي محدود، مما يضفي عليها هالة من النقاء والعزلة. بعض الجزر مأهولة وتُقدِّم تجارب فريدة لزيارة مجتمعات صيد الأسماك، بينما البعض الآخر غير مأهول ويشكِّل وجهةً للمغامرين والمصورين.

الوجهات الجبلية والريف الإريتري

تضم إريتريا عددًا من المناطق الجبلية والريفية التي تقدم تجارب سياحية حقيقية، خالية من التصنع التجاري. من منطقة صنعفي إلى بلدة سقنيتي، يمكن للزوار الاستمتاع بالتنزه وسط المدرجات الزراعية، وزيارة القرى الحجرية، والاختلاط مع السكان المحليين الذين لا يزالون يعيشون بأسلوب حياة تقليدي قائم على الزراعة والرعي. وتُعرف هذه المناطق بأجوائها الباردة نسبيًا بفضل ارتفاعها، مما يجعلها مثالية لهواة الطبيعة والتأمل.

التراث الديني والتعايش الثقافي

تُعرف إريتريا بتنوّعها الديني الكبير، إذ تضم مسلمين ومسيحيين من طوائف متعددة، يعيشون في انسجام تام. يمكن زيارة مساجد قديمة في مصوع وأسمرة، بالإضافة إلى كنائس أرثوذكسية محفورة في الجبال، وكاتدرائيات كاثوليكية بُنيت في العهد الإيطالي. ويعكس هذا التنوع نموذجًا فريدًا للتعايش بين الأديان يُشاهد في الحياة اليومية والمناسبات والمهرجانات.

المأكولات الإريترية: نكهة الثقافة

يُعد المطبخ الإريتري مزيجًا بين المطبخين العربي والإفريقي مع لمسات إيطالية، ويعتمد بشكل كبير على الحبوب والعدس والتوابل. تُعد “الإنجيرا” الطبق الرئيسي في البلاد، وهي فطيرة مصنوعة من التيف تُقدَّم مع يخنات متنوعة مثل الزغني، وهي وجبة لحم غنية بالتوابل. كذلك، تنتشر القهوة الإريترية التي تُعد بطقوس تقليدية يُشارك فيها الضيوف والمضيفون في جو من الألفة والكرم. يمكن للسائحين تجربة هذه الأطباق في المطاعم المحلية أو في المنازل الريفية كجزء من تجربة الضيافة الإريترية.

نصائح وإرشادات للزوار

السفر إلى إريتريا يتطلب تخطيطًا مسبقًا بسبب بعض القيود البيروقراطية، منها ضرورة الحصول على تأشيرة مسبقة والتسجيل في أماكن الإقامة لدى السلطات. يُنصح الزوار باحترام الأعراف الاجتماعية والدينية، والتقاط الصور بحذر وبعد الاستئذان، خاصة في المناطق الحساسة. يُفضل أيضًا التنقل مع دليل محلي، خصوصًا خارج المدن الكبرى، لضمان سهولة الوصول إلى الوجهات والمواقع غير المألوفة.

خاتمة: لماذا يجب أن تزور إريتريا؟

زيارة إريتريا ليست مجرد رحلة سياحية، بل تجربة استكشاف لأرض لم تُفسدها السياحة التجارية بعد. إنها فرصة لرؤية إفريقيا بوجهها الحقيقي، حيث يتداخل التاريخ والثقافة والطبيعة في مشهد واحد متناغم. من عمارة أسمرة الكلاسيكية، إلى جزر دهلك الحالمة، ومن أسواق كرن الحيوية إلى قرى المرتفعات الريفية، فإن إريتريا توفِّر تجربة نادرة ومليئة بالاكتشافات لمن يملك الجرأة على اكتشاف المجهول.