الطقس في العراق

يشهد العراق على مدار العام طيفًا واسعًا من التغيرات المناخية التي تعكس تنوع تضاريسه وموقعه الجغرافي بين الصحارى والجبال والسهول. تتباين درجات الحرارة والأمطار من منطقة إلى أخرى، مما يترك أثرًا واضحًا على الأنشطة اليومية والزراعية والاقتصادية في البلاد. يتطلب فهم الطقس العراقي نظرة شاملة على مدار الفصول الأربعة، وهذا ما يستعرضه هذا المقال بالتفصيل.

الموقع الجغرافي وتأثيره على المناخ في العراق

يقع العراق في قلب منطقة الشرق الأوسط، حيث يحده من الشمال تركيا، ومن الشرق إيران، ومن الجنوب الكويت والسعودية، ومن الغرب الأردن وسوريا. هذه الحدود الجغرافية جعلت البلاد عرضة لتأثيرات مناخية متضاربة: تيارات بحرية رطبة من الغرب والبحر المتوسط، وكتل هوائية جافة من الصحارى الجنوبية. كما أن وجود سلاسل جبلية شمالًا وسهول منبسطة وسطًا وصحارى جنوبًا، أدى إلى تباين مناخي كبير ضمن الدولة الواحدة.

المناخ في العراق على مدار الفصول الأربعة

يتمتع العراق بتقسيم واضح لفصول السنة، على الرغم من تفاوت حدة الفصول بين الشمال والجنوب. هذا التفاوت يمنح البلاد طابعًا مناخيًا فريدًا، يجعل لكل فصل سماته الخاصة.

فصل الصيف

يبدأ فصل الصيف عادةً من أواخر مايو ويمتد حتى أواخر سبتمبر. يتميز بارتفاع شديد في درجات الحرارة، خصوصًا في المناطق الوسطى والجنوبية، حيث تلامس الحرارة حاجز 50 درجة مئوية. يغلب على الأجواء طابع الجفاف التام، ويكاد يخلو من أي أمطار، بينما تهب رياح شمالية جافة تُعرف محليًا بـ”الرياح الشمالي” تزيد من الإحساس بالحر. أما في الشمال، فيبقى الصيف أقل حدة وتكون الليالي أكثر اعتدالًا.

فصل الخريف

يمتد الخريف من أكتوبر حتى منتصف نوفمبر، ويُعد مرحلة انتقالية بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء. تنخفض درجات الحرارة تدريجيًا، وتبدأ السماء بإظهار ملامح المطر في المناطق الشمالية. وتُسجل خلال هذا الفصل أولى الزخات المطرية التي تُبشر بموسم الزراعة الشتوي. كما يقل الغبار وتتحسن جودة الهواء نسبيًا.

فصل الشتاء

من منتصف نوفمبر حتى فبراير، يدخل العراق في فصل الشتاء، الذي يكون واضحًا المعالم في الشمال وطفيفًا في الجنوب. تتساقط الأمطار بوفرة في الشمال، وقد تغطي الثلوج المناطق الجبلية مثل أربيل وسوران. بينما يبقى الجنوب جافًا نسبيًا، وإن سُجلت فيه أمطار فهي تكون محدودة وضعيفة. تتراوح درجات الحرارة بين صفر و10 درجات مئوية شمالًا، وتكون بين 5 و15 درجة مئوية في الوسط والجنوب.

فصل الربيع

من مارس حتى أواخر مايو، يتفتح الربيع بألوانه ونسماته اللطيفة. يعتدل الطقس وتكون الأجواء مثالية للتنزه والزراعة، حيث تبدأ النباتات البرية بالنمو في السهول والمناطق الجبلية. إلا أن هذا الفصل لا يخلو من العواصف الترابية، خاصة في المناطق الجنوبية والغربية. كما تسجل فيه أمطار خفيفة قد تساعد في إنعاش التربة قبل دخول حرارة الصيف.

المناخ في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق

تميل المناطق الوسطى والجنوبية إلى المناخ الصحراوي الحار. فصول الصيف تكون شديدة الحرارة، وتصل درجات الحرارة غالبًا إلى أكثر من 50 درجة مئوية في مناطق مثل البصرة والناصرية. أما فصل الشتاء فيكون معتدلًا نهارًا وباردًا نسبيًا ليلًا، دون أن تنخفض الحرارة غالبًا إلى ما دون 5 درجات مئوية. وتندر الأمطار في هذه المناطق، حيث قد تمر أشهر الشتاء دون تسجيل أي هطولات تذكر.

المناخ في المناطق الشمالية من العراق

تشهد المناطق الشمالية من العراق مناخًا أكثر اعتدالًا، خصوصًا في إقليم كردستان. تمتاز هذه المناطق بصيف معتدل وشتاء بارد، حيث تشهد مدن مثل السليمانية ودهوك تساقطًا منتظمًا للأمطار، وأحيانًا الثلوج، خاصة في المناطق الجبلية مثل جبل كورك. الفصول الأربعة واضحة المعالم هنا، ويستمر الغطاء النباتي الأخضر لفترات أطول مقارنة ببقية مناطق العراق.

توزيع الأمطار في العراق

يتباين توزيع الأمطار بين الشمال والجنوب بشكل كبير. في حين تحصل المناطق الشمالية على كميات تتراوح بين 500 و1000 ملم سنويًا، فإن الجنوب قد لا يتجاوز 100 ملم في السنة. يعتمد المزارعون في الشمال على الأمطار كمصدر أساسي للري، في حين تعتمد المناطق الوسطى والجنوبية على مياه الأنهار والمشاريع الاروائية، التي تتأثر بدورها بتناقص مناسيب نهري دجلة والفرات.

الظواهر الجوية المتكررة في العراق

من أبرز الظواهر التي يشهدها العراق هي العواصف الترابية، خصوصًا خلال فصل الربيع. وتكون أشدها في المناطق الجنوبية والغربية مثل السماوة والأنبار. تؤدي هذه العواصف إلى تراجع مدى الرؤية الأفقية وتعطيل حركة الطيران، إضافة إلى آثار صحية على المصابين بأمراض الجهاز التنفسي. كما تشهد البلاد موجات حر مفاجئة في فصلي الربيع والصيف.

الرياح والرطوبة في العراق

الرياح تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الطقس في العراق، حيث تهب رياح شمالية غربية جافة تُعرف بـ”الرياح الشمالي” في الصيف، مما يزيد الإحساس بالحرارة. أما الرطوبة فتبقى منخفضة في معظم مناطق العراق، عدا المناطق القريبة من الأهوار أو شط العرب حيث تزداد الرطوبة صيفًا وتصل إلى نسب مزعجة تتجاوز 70%، ما يجعل الإحساس بالحر أكثر شدة.

تأثير التغير المناخي على الطقس في العراق

العراق من أكثر الدول تأثرًا بالتغيرات المناخية، إذ تشهد البلاد ارتفاعًا مطردًا في درجات الحرارة، وتراجعًا مستمرًا في معدلات الهطول المطري. هذا التغير المناخي أدى إلى تفاقم مشاكل الجفاف والتصحر، وانخفاض مناسيب الأنهار، وتهديد الأمن الغذائي والمائي، مما يفرض تحديات بيئية واقتصادية كبرى تستدعي حلولًا عاجلة واستراتيجية.

التوصيات والإجراءات الوقائية

لمواجهة آثار الطقس القاسي والتغير المناخي، ينبغي اتخاذ خطوات مدروسة منها:

  • زيادة الغطاء النباتي عبر حملات التشجير.
  • تحديث أنظمة الري الزراعي لتقليل الهدر المائي.
  • اعتماد مصادر الطاقة المتجددة لتقليل الانبعاثات الحرارية.
  • رفع الوعي المجتمعي بطرق التكيف مع الطقس الحار والجاف.
  • بناء سدود صغيرة لتجميع مياه الأمطار في المناطق الشمالية.

خاتمة

الطقس في العراق مرآة دقيقة للتحديات التي تواجهها الدولة على صعيد البيئة والمناخ. من الصحارى الجافة جنوبًا إلى الجبال المثلجة شمالًا، يفرض الطقس إيقاعه الخاص على الحياة اليومية والاقتصاد. ومع تسارع تأثيرات التغير المناخي، يصبح التعامل مع الواقع المناخي مسؤولية جماعية تستلزم التخطيط والابتكار والتعاون الإقليمي والدولي.