منذ قرون طويلة، شكّل العرب جزءًا مهمًا من المشهد التاريخي والثقافي لدولة تنزانيا، وخاصة في المناطق الساحلية وجزر زنجبار وبمبا. امتزج الوجود العربي بالتقاليد الإفريقية، ليصنع مزيجًا حضاريًا فريدًا ما زالت آثاره قائمة حتى اليوم في اللغة والدين والفنون والمعمار. اليوم، ما زال العرب يحتفظون بمكانتهم داخل المجتمع التنزاني، رغم التحديات التي مروا بها، مما يجعل من حضورهم ظاهرة تستحق الدراسة المتعمقة والإضاءة الشاملة.
أقسام المقال
- التواجد العربي في زنجبار وتنزانيا
- اللغة السواحلية وتأثير العرب في تنزانيا
- الدين الإسلامي وانتشاره في تنزانيا
- الثقافة والفنون: موسيقى التاراب نموذجًا
- الزراعة والتجارة والمساهمات الاقتصادية
- التحديات والاندماج الاجتماعي في تنزانيا
- العرب في النظام السياسي والمجتمع المدني في تنزانيا
- عدد العرب في تنزانيا وجنسياتهم
- الخاتمة
التواجد العربي في زنجبار وتنزانيا
يُعد التواجد العربي في تنزانيا من أقدم أشكال العلاقات بين العرب وشرق إفريقيا، حيث تعود بداياته إلى القرن السابع الميلادي. كانت الجزر التنزانية الساحلية نقطة عبور هامة للتجار القادمين من شبه الجزيرة العربية، وخاصة من سلطنة عمان واليمن. وقد شكّل هؤلاء التجار نواةً لتجمعات عربية سكانية، تطورت لاحقًا لتصبح جزءًا من النسيج السكاني في زنجبار والمدن الساحلية.
بلغ النفوذ العربي ذروته في القرن التاسع عشر، عندما قرر السلطان سعيد بن سلطان العماني نقل عاصمته إلى زنجبار عام 1832، مُحولًا الجزيرة إلى مركز تجاري وسياسي هام في المحيط الهندي. وقد ساهم هذا الانتقال في ترسيخ الهيمنة العربية ثقافيًا وسياسيًا، لتصبح زنجبار منارة للحضارة الإسلامية في شرق إفريقيا.
اللغة السواحلية وتأثير العرب في تنزانيا
اللغة السواحلية، التي تُعد من أكثر اللغات استخدامًا في شرق إفريقيا، تُظهر تأثيرًا عربيًا واضحًا وجليًا. فاللغة تحتوي على عدد كبير من المفردات ذات الأصل العربي، نتيجة التفاعل الطويل والوثيق بين العرب والسكان المحليين. ويُقدّر بعض الباحثين أن نحو 40% من مفردات السواحلية تعود لأصول عربية.
هذا التأثير اللغوي لم يقتصر على المفردات فقط، بل شمل البنية اللغوية والنحو وبعض أساليب الخطاب. كما أن الأبجدية العربية كانت تُستخدم لكتابة السواحلية قبل أن تُستبدل بالحروف اللاتينية خلال الحقبة الاستعمارية. ويُعد هذا الامتزاج اللغوي أحد أهم الشواهد على مدى عمق العلاقة بين العرب وتنزانيا.
الدين الإسلامي وانتشاره في تنزانيا
لعب العرب دورًا محوريًا في نشر الإسلام في الأراضي التنزانية، منذ بداية التوسع التجاري العربي في شرق إفريقيا. وقد انتشر الإسلام أولاً في المناطق الساحلية والجزر، لا سيما زنجبار، قبل أن ينتقل تدريجيًا إلى داخل تنزانيا بفضل جهود العلماء والدعاة.
اليوم، يُمثل المسلمون شريحة كبيرة من السكان التنزانيين، حيث يُقدّر عددهم بنحو 40% من إجمالي عدد السكان. وتصل النسبة في زنجبار إلى أكثر من 99%، مما يجعلها من أكثر المناطق الإسلامية في القارة الإفريقية. وتستمر المساجد والمدارس القرآنية في لعب دور ثقافي وتعليمي في المجتمع، وهي إرث حيّ تركه العرب في هذه البلاد.
الثقافة والفنون: موسيقى التاراب نموذجًا
تُعد موسيقى التاراب من أبرز رموز التأثير العربي في الثقافة التنزانية، خاصة في جزيرة زنجبار. وقد نشأت هذه الموسيقى خلال القرن التاسع عشر، بعد تفاعل العناصر الموسيقية العربية مع الأنغام والإيقاعات الإفريقية.
تستخدم موسيقى التاراب آلات موسيقية عربية مثل العود والقانون، وتُؤدى غالبًا بكلمات سواحلية ذات طابع شعري قريب من القصيدة العربية. ومن أبرز رموز هذا النوع من الموسيقى كانت الفنانة ستي بنت سعد، التي ساهمت في ترسيخ التاراب كفن تنزاني أصيل، يجمع بين روح العرب وأفريقيا.
الزراعة والتجارة والمساهمات الاقتصادية
شارك العرب في تطوير الأنشطة الزراعية والتجارية في تنزانيا على مر العصور، لا سيما في زنجبار التي تحولت إلى مركز لتصدير التوابل مثل القرنفل وجوز الطيب. كما لعب العرب دورًا أساسيًا في إنشاء الأسواق والموانئ وتنظيم شبكات التجارة الداخلية والخارجية.
وقد ورث المجتمع التنزاني هذه البنية الاقتصادية المزدهرة، خاصة في مجال زراعة التوابل وصيد الأسماك، وما زال العديد من أبناء الجالية العربية يواصلون العمل في هذه القطاعات الحيوية حتى اليوم، مما يساهم في استقرار الاقتصاد المحلي.
التحديات والاندماج الاجتماعي في تنزانيا
على الرغم من التاريخ الطويل، لم تكن علاقة العرب بالمجتمع التنزاني دائمًا خالية من التوتر. فخلال ثورة زنجبار في عام 1964، تعرض العديد من العرب للعنف والتهجير، بسبب الربط الخاطئ بينهم وبين طبقة النبلاء أو النفوذ الاستعماري.
إلا أن السنوات اللاحقة شهدت توجهًا نحو المصالحة الوطنية، حيث تبنت الحكومة سياسات تعزز من اندماج المكونات الاجتماعية كافة. وقد نجح العديد من العرب في الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية، مع المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية.
العرب في النظام السياسي والمجتمع المدني في تنزانيا
شهدت العقود الأخيرة حضورًا متناميًا للعرب في الساحة السياسية التنزانية، لا سيما في زنجبار التي يتمتع أبناؤها من أصول عربية بمشاركة نشطة في الانتخابات والمؤسسات الحكومية.
كما أن العديد من الجمعيات والمراكز الإسلامية التي أسسها العرب تُسهم في تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية وطبية للمجتمع، مما يعزز من صورة العرب كشركاء فاعلين في التنمية الوطنية.
عدد العرب في تنزانيا وجنسياتهم
حتى عام 2025، يُقدّر عدد العرب المقيمين في تنزانيا بحوالي 483,000 نسمة، معظمهم يتركزون في زنجبار ومدن الساحل التنزاني. وتتعدد أصول هؤلاء العرب، حيث ينحدر كثيرون منهم من سلطنة عمان، ويشكل العمانيون النسبة الأكبر نظرًا للعلاقات التاريخية والسياسية العميقة بين زنجبار وعُمان. كما توجد جاليات عربية من اليمن والإمارات والمملكة العربية السعودية، إلى جانب بعض العائلات ذات الأصول اللبنانية والعراقية الذين استقروا لأغراض تجارية أو دينية أو تعليمية. ويُعرف هؤلاء بحفاظهم على تقاليدهم مع الانفتاح على المجتمع التنزاني، مما ساهم في تعزيز التعددية الثقافية في البلاد.
الخاتمة
إن العلاقة بين العرب وتنزانيا لا يمكن اختزالها في البعد التاريخي فقط، بل هي علاقة حية ومتجددة ما زالت تؤثر في مختلف جوانب الحياة. من التجارة إلى التعليم، ومن الفن إلى الدين، أسهم العرب في إثراء هوية تنزانيا وتركوا بصمة لا تُمحى.
رغم التحديات، فإن حضورهم المتواصل ودورهم الفاعل يُبرزان قدرة الشعوب على التعايش والتكامل، وهو ما يجعل من قصة العرب في تنزانيا نموذجًا فريدًا للتاريخ الحي والمستقبل المشترك.