العرب في جزر المالديف

تُعد جزر المالديف من أكثر الوجهات التي تلفت أنظار السياح من جميع أنحاء العالم، إلا أن خلف هذا المشهد السياحي الباهر، هناك تاريخ طويل من التفاعل الحضاري والديني بين المالديف والعالم العربي. لقد كان العرب، منذ قرون، من أوائل من وصل إلى هذه الجزر في المحيط الهندي، جالبين معهم ثقافتهم وتقاليدهم ولغتهم، والأهم من ذلك، دينهم الإسلامي. يهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على الحضور العربي في المالديف قديمًا وحديثًا، من خلال استعراض الأثر التجاري والديني واللغوي والثقافي الذي تركوه، مع التطرق إلى العلاقات المعاصرة التي لا تزال تربط الطرفين.

الحضور العربي في المالديف: من التجارة إلى الدعوة

بدأ التفاعل بين العرب والمالديفيين منذ العصور الإسلامية الأولى، حين كانت المالديف محطة مهمة في طريق التجارة البحري الممتد بين الجزيرة العربية والهند وجنوب شرق آسيا. كان التجار العرب يجلبون البضائع مثل التوابل والعطور والمنسوجات، ويأخذون من المالديف اللؤلؤ وجوز الهند والأسماك المجففة، وهي سلع مطلوبة في الأسواق العربية. لم تكن هذه التجارة مادية فقط، بل حملت معها أفكارًا وقيمًا وتأثيرات ثقافية عميقة. بعض هؤلاء التجار لم يكونوا مجرد باعة، بل كانوا أيضًا دعاة وعلماء نقلوا مبادئ الإسلام إلى السكان المحليين.

إسلام المالديف: قصة التحول الديني

يرجع الفضل في دخول الإسلام إلى جزر المالديف في القرن الثاني عشر الميلادي إلى الداعية المسلم “أبو البركات يوسف البربري”، الذي يُعتقد أنه من المغرب أو اليمن. تقول الروايات إن الداعية استطاع أن يؤثر في الملك والسكان من خلال الأخلاق والدعوة السلمية، وبعد معجزة رمزية – حسب الرواية الشعبية – اقتنع الملك برسالة الإسلام واعتنق الدين الجديد، ومن ثم تبعه السكان جميعًا. منذ ذلك الحين، أصبحت المالديف دولة إسلامية بشكل رسمي، وتحول اسم الملك إلى السلطان محمد بن عبد الله، وهو أول من حكم البلاد بعد اعتناقها للإسلام.

اللغة العربية: حضور دائم في المالديف

رغم أن لغة “الديفيهي” هي اللغة الوطنية الرسمية، فإن اللغة العربية لها مكانة كبيرة في الحياة الدينية والتعليمية. تُدرّس العربية في المدارس الدينية وتُستخدم في المساجد وفي قراءة القرآن الكريم، كما أن خطب الجمعة والدروس الشرعية تُلقى غالبًا بالعربية أو تتضمن مقاطع منها. من اللافت أن اللغة الديفيهي نفسها تحتوي على الكثير من المفردات ذات الأصل العربي، خصوصًا في المجال الديني والقانوني. تُعد العربية بالنسبة للمالديفيين لغة مقدسة، لأنها لغة القرآن، وتُعامل باحترام كبير.

العمارة الإسلامية: بصمة عربية في جزر المالديف

يتجلى الحضور العربي الإسلامي في فنون العمارة، خاصة في المساجد التي تتزين بزخارف هندسية إسلامية، وتُبنى بأساليب تأثرت بالفن المعماري القادم من شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا. من أشهر هذه المساجد مسجد الجمعة الكبير في العاصمة ماليه، والذي يتميز بقبة ذهبية ومئذنة عالية وتصميم داخلي فخم يستخدم الرخام والخشب المزخرف. كما تُظهر بعض النقوش القرآنية والأسقف المزخرفة بآيات من القرآن ارتباطًا واضحًا بفنون الخط العربي.

الجالية العربية في المالديف: تواصل ثقافي مستمر

رغم أن عدد العرب المقيمين في المالديف ليس كبيرًا، إلا أنهم يساهمون في مجالات متعددة مثل التعليم الديني، والتدريس الجامعي، والعمل في المؤسسات الإسلامية والسياحية. معظم أفراد الجالية العربية في المالديف ينتمون إلى جنسيات مصرية وسعودية ويمنية، وهناك عدد قليل من دول الخليج وبلاد الشام. يعمل بعضهم في السفارات أو في التنسيق الثقافي والدعوي، كما توجد مبادرات لتدريس اللغة العربية في المؤسسات التعليمية، يديرها أساتذة عرب.

السياحة العربية: جسر للتواصل بين الشعوب

تُعتبر المالديف وجهة مفضلة للعرب في السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد أن قدمت الحكومة تسهيلات للسياح من الدول الإسلامية، من حيث توفير الطعام الحلال والمرافق التي تحترم الخصوصية والاحتشام. هناك العديد من المنتجعات والفنادق التي تقدم خدمات خاصة بالعائلات الخليجية، مثل الفلل الخاصة المجهزة بمسابح مغلقة، وقوائم طعام عربية، وموظفين ناطقين بالعربية. كما أن هناك وكالات سياحية عربية متخصصة بتنظيم رحلات إلى المالديف بتجارب مصممة خصيصًا للذوق العربي.

العلاقات الدبلوماسية والثقافية مع الدول العربية

تشهد العلاقات بين المالديف والدول العربية تطورًا ملحوظًا، خصوصًا مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. هناك اتفاقيات تعاون في مجالات التعليم، والدعوة، وتمويل المشاريع التنموية، كما تقدم بعض الدول العربية منحًا دراسية للطلاب المالديفيين في جامعاتها الإسلامية. كما أن المالديف تشارك في مؤتمرات منظمة التعاون الإسلامي وتبدي دعمها للقضايا العربية الكبرى، مثل القضية الفلسطينية.

خاتمة: إرث عربي متجذر في المالديف

لا يمكن إنكار أن التأثير العربي في المالديف يمتد عبر قرون من الزمن، حيث أصبح جزءًا لا يتجزأ من هوية هذه الدولة الجزرية. من دخول الإسلام إلى اللغة والثقافة، من التجارة إلى التعليم والسياحة، لعب العرب دورًا محوريًا في تشكيل ملامح المالديف، ولا يزال هذا الحضور قائمًا ويتطور مع الزمن. إن هذا التفاعل بين العرب والمالديفيين يمثل نموذجًا رائعًا للتلاقح الحضاري القائم على الاحترام والمودة والمصالح المشتركة.