العرب في فلسطين

فلسطين ليست فقط بقعة جغرافية في قلب الشرق الأوسط، بل هي أيضًا موطن حضاري وثقافي ضارب في عمق التاريخ العربي. منذ آلاف السنين والعرب يسكنون هذه الأرض، ويسهمون في تشكيل ملامحها السياسية والاجتماعية والدينية. تتداخل فيها الهويات والانتماءات، لكن الهوية العربية للفلسطينيين تبقى ثابتة رغم الاحتلال والتحديات. يستعرض هذا المقال رحلة العرب في فلسطين، من الجذور التاريخية إلى الواقع الديموغرافي، ومن النكبة إلى التفاعل العربي، مرورًا بالمقاومة والصمود الثقافي.

العرب في فلسطين

يشكل العرب الغالبية الساحقة من سكان فلسطين، سواء في الضفة الغربية، أو قطاع غزة، أو أراضي 1948. وفق أحدث الإحصاءات حتى نهاية 2024، يقطن في الضفة والقطاع نحو 5.49 مليون فلسطيني، بينما يعيش في أراضي 48 قرابة 1.8 مليون عربي، يشكلون حوالي 20% من سكان إسرائيل. معظم هؤلاء العرب هم من الفلسطينيين، ممن بقوا في قراهم ومدنهم بعد النكبة. يحملون الجنسية الإسرائيلية قسرًا لكنهم يتمسكون بهويتهم العربية. إلى جانبهم، يعيش عدد محدود من العرب من جنسيات أخرى كالأردنيين والمصريين، لأسباب إنسانية أو عائلية أو مهنية. هذا التعدد يعكس ترابطًا قوميًّا متينًا رغم الحدود السياسية.

فلسطين في العصور القديمة: الجذور العربية

الوجود العربي في فلسطين ليس حديثًا ولا عابرًا، بل يعود إلى العصور الكنعانية في الألف الرابع قبل الميلاد. الكنعانيون، وهم عرب قدماء، أسسوا مدنًا مثل أريحا ونابلس والقدس، وبنوا نظام حياة زراعي وتجاري متطور. رغم مرور حضارات أخرى كالمصرية والفارسية واليونانية، حافظت فلسطين على طابعها العربي، وظلت هذه الهوية راسخة في ذاكرة الأرض. ويمكن القول إن التراكم الثقافي العربي منذ الكنعانيين حتى الفتح الإسلامي شكّل قاعدة صلبة لهوية فلسطين.

الحقبة الإسلامية: تعزيز الهوية العربية

جاء الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي ليعزز البعد العربي والإسلامي لفلسطين. أصبحت القدس ثالث الحرمين الشريفين، وبُنيت قبة الصخرة والمسجد الأقصى، وأصبحت فلسطين مركزًا دينيًا وعلميًا هامًا في الدولة الإسلامية. تعاقب عليها الأمويون والعباسيون والفاطميون، وازدهرت الحياة العلمية والاقتصادية. لم تكن فلسطين مجرد إقليم، بل كانت نقطة التقاء ثقافي بين الشرق والغرب، ومساحة للمساهمة الحضارية الإسلامية في قلب بلاد الشام.

الانتداب البريطاني وبداية الصراع العربي الصهيوني

مع انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، خضعت فلسطين للانتداب البريطاني الذي مهّد لزرع المشروع الصهيوني في قلب المنطقة. عبر وعد بلفور 1917، منحت بريطانيا اليهود وعدًا بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وهو ما قوبل برفض واسع من العرب. تصاعدت الهجرة اليهودية تحت حماية الاحتلال البريطاني، ما أدى إلى توتر دائم ومواجهات دامية بين العرب واليهود. في الثلاثينيات، شهدت فلسطين الثورة الكبرى ضد الاستعمار البريطاني والمخطط الصهيوني، مؤذنة بمرحلة جديدة من النضال.

النكبة وتشتت العرب الفلسطينيين

عام 1948 كان علامة فارقة في تاريخ العرب في فلسطين. إذ أعلنت الحركة الصهيونية قيام إسرائيل على أراضٍ فلسطينية، ما تسبب في تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني قسرًا. تحوّل هؤلاء إلى لاجئين في دول الجوار، يعيشون في ظروف قاسية داخل المخيمات. صودرت ممتلكاتهم وأراضيهم، ولم يُسمح لهم بالعودة. بقيت النكبة جرحًا مفتوحًا في الوجدان العربي، وأصبحت عنوانًا دائمًا للنفي والحرمان والمقاومة. كثير من العرب الذين بقوا في الداخل واجهوا سياسات تهويد ممنهجة، لكنها لم تنجح في طمس هويتهم.

الهوية العربية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال

رغم الاحتلال وممارساته، ظل العرب الفلسطينيون متمسكين بهويتهم. واجهوا التهويد بسياسات التعليم، والإعلام، والفن، وبالوجود اليومي المقاوم. برزت الانتفاضتان الأولى والثانية كتعبير شعبي عن الرفض المطلق للاحتلال. كما أسهمت الأغاني، والمسرحيات، والشعر في ترسيخ الوعي الوطني. لم تكن المقاومة فقط بالبندقية، بل بالقلم والصورة والزي الشعبي، حيث تحولت الثقافة إلى ساحة مواجهة مفتوحة. الهوية هنا ليست فقط انتماءً، بل مقاومة.

الدعم العربي الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية

منذ نكبة 1948، شكلت فلسطين نقطة إجماع في الوجدان العربي. دعمت الدول العربية القضية سياسيًا، وشاركت في حروب ضد الاحتلال، واحتضنت اللاجئين. على الصعيد الشعبي، لم تنقطع التظاهرات والحملات التضامنية، خاصة في أوقات العدوان. حتى في ظل الاضطرابات الإقليمية، بقيت فلسطين حاضرة في الخطب، والأشعار، والنقاشات الثقافية. الدعم العربي لم يكن دائمًا متساويًا أو كافيًا، لكنه مثّل سياجًا معنويًا للفلسطينيين في وجه العزلة الدولية.

فلسطين في وجدان الأجيال العربية الجديدة

رغم التحولات الإعلامية والسياسية، لا تزال فلسطين حية في وعي الشباب العربي. تنتشر القضايا الفلسطينية على منصات التواصل، وتلقى الحملات الداعمة تفاعلًا واسعًا، خاصة في أوقات العدوان على غزة أو الاقتحامات في القدس. الجيل الجديد لم يعش النكبة، لكنه يحملها في وجدانه عبر الروايات، والأغاني، والصور. هذه الروح الشبابية الداعمة تؤكد أن القضية لم تمت، بل تجدّد نفسها بأدوات العصر.

خاتمة: فلسطين في قلب العروبة

فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، بل رمز للهوية العربية المهددة والمقاومة. العرب في فلسطين ليسوا أقلية غريبة، بل هم قلب الأرض وروحها، رغم الاحتلال والشتات. إن الحفاظ على الهوية العربية في فلسطين هو معركة الوجود والكرامة. وكل عربي، في الداخل أو الخارج، يحمل جزءًا من هذه المعركة. القضية الفلسطينية باقية لأنها عنوان دائم للعدل، وستبقى فلسطين في قلب العروبة حتى يتحقق التحرير الكامل.