العمل في الأردن

يُعد سوق العمل الأردني من أكثر الأسواق ديناميكية في المنطقة، ويجمع بين ملامح التحدي والطموح. على الرغم من الأزمات الاقتصادية والسياسية الإقليمية التي أثرت في اقتصاده، إلا أن الأردن يسعى جاهدًا إلى خلق بيئة عمل أكثر جاذبية من خلال تحديث التشريعات، وتمكين الشباب، وتعزيز الاستثمارات. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أبرز ملامح سوق العمل في الأردن، مستعرضًا القوانين المنظمة، وأهم القطاعات، والتحديات، والفرص الواعدة التي يمكن استثمارها.

القوانين المنظمة للعمل في الأردن

يرتكز تنظيم بيئة العمل في الأردن على قانون العمل رقم 8 لسنة 1996، الذي خضع لسلسلة من التعديلات بهدف التماشي مع المستجدات الاقتصادية والعمالية. يُنظم القانون العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل، ويوضح الحقوق والواجبات، مثل ساعات العمل، والعطل الرسمية، والتأمينات الاجتماعية. كما يفرض الحد الأدنى للأجور والذي تم تثبيته في 290 دينارًا شهريًا لعام 2025. ويُعد من أهم التطورات أيضًا إدراج نصوص تُعزز من حقوق العاملات، وتمنع التمييز في بيئة العمل.

سوق العمل الأردني: التحديات والفرص

يعاني سوق العمل الأردني من تحديات هيكلية تتعلق بارتفاع نسب البطالة التي تجاوزت 21.4% في بداية 2025، إلى جانب تركز البطالة بين الخريجين الشباب والنساء. إلا أن هذه التحديات خلقت فرصًا للحكومات والمؤسسات للعمل على إصلاحات حقيقية من خلال إطلاق برامج تدريبية جديدة، وتحفيز الاستثمار الداخلي والخارجي، ومواكبة التحول الرقمي. كما تم تفعيل عدد من المبادرات التي تهدف إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي ضمن المنظومة الرسمية، مما يوسع القاعدة الضريبية ويزيد من الحماية القانونية للعمال.

القطاعات الاقتصادية الواعدة في الأردن

توجد قطاعات اقتصادية تُظهر نموًا ملحوظًا في الأردن، على رأسها قطاع تكنولوجيا المعلومات، الذي تحول إلى ركيزة أساسية في رؤية الأردن المستقبلية. كما أن قطاع الطاقة المتجددة يشهد انتعاشًا بفضل الاستثمارات في الطاقة الشمسية والرياح، إضافة إلى قطاع الصناعات الدوائية الذي يحظى بسمعة إقليمية متميزة. ولا ننسى قطاع السياحة العلاجية والتعليم العالي، الذي يحقق عائدات مستمرة ويُوظف آلاف الأردنيين. تعمل الحكومة على تسهيل إجراءات التراخيص للمشروعات الناشئة في هذه المجالات، مع توفير حوافز ضريبية وجمركية للمستثمرين.

التعليم والتدريب المهني: جسر لسوق العمل

تمثل الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل واحدة من أبرز مشاكل التشغيل في الأردن. لذلك، تم إطلاق برامج وطنية للتعليم المهني والتقني، منها “برنامج وطن مهني” الذي يستهدف تدريب أكثر من 30 ألف شاب وشابة سنويًا. كما تعمل الجامعات والمعاهد على تحديث مناهجها لتشمل المهارات الرقمية، وريادة الأعمال، واللغات الأجنبية. يتزايد التوجه نحو التعليم المزدوج الذي يدمج بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي في المصانع والشركات، مما يرفع من جاهزية الخريجين.

العمالة الوافدة وتنظيم سوق العمل

تشكل العمالة الوافدة، وخاصة من الجنسيات الآسيوية والعربية، عنصرًا أساسيًا في سوق العمل الأردني، خصوصًا في قطاعات الزراعة، والإنشاءات، والخدمة المنزلية. وقد اتخذت الحكومة عدة خطوات لتنظيم هذه العمالة، مثل إصدار تصاريح العمل الإلكترونية، ومراقبة سوق العمل من خلال حملات تفتيشية منتظمة. كما أن هناك توجه لتوطين بعض المهن تدريجيًا من خلال تدريب الأردنيين ومنحهم حوافز للعمل في قطاعات كانت حكرًا على الوافدين.

المرأة في سوق العمل الأردني

رغم أن النساء يشكلن نصف عدد السكان تقريبًا، إلا أن مشاركتهن في سوق العمل لا تتجاوز 14%. تعود هذه النسبة المتدنية إلى قيود ثقافية، ونقص فرص العمل الملائمة، والعبء الأسري، إلى جانب قلة وجود حضانات في أماكن العمل. وقد أطلقت الحكومة مؤخرًا عدة مبادرات مثل “برنامج دعم الأم العاملة”، بالإضافة إلى توفير منح تمويلية للمشاريع النسائية، وتحفيز الشركات على توظيف النساء من خلال إعفاءات ضريبية.

التحول الرقمي وتأثيره على سوق العمل

يشهد الأردن تحولًا رقميًا واسعًا في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص على حد سواء. يتطلب هذا التحول مهارات جديدة في تحليل البيانات، والبرمجة، والتجارة الإلكترونية. وفي الوقت ذاته، بدأت بعض الوظائف التقليدية بالانقراض، مما يحتم على العاملين تأهيل أنفسهم باستمرار. وقد أُطلقت منصة وطنية للتدريب عن بُعد، تقدم دورات مجانية في المهارات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، والتصميم الجرافيكي، مما يساعد على خلق جيل جديد من العمال المؤهلين رقميًا.

المغتربون الأردنيون ودورهم في الاقتصاد

يلعب المغتربون الأردنيون دورًا كبيرًا في دعم الاقتصاد الوطني من خلال التحويلات المالية، التي تشكل نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي. يعمل العديد منهم في دول الخليج وأمريكا الشمالية وأوروبا في مجالات مثل الطب، والهندسة، والتعليم. وتعمل وزارة العمل بالتعاون مع وزارة الخارجية على بناء روابط أقوى مع الجاليات الأردنية في الخارج لتعزيز فرص الاستثمار في الداخل، وتحفيز العقول المهاجرة على العودة أو المساهمة في المشاريع الوطنية.

الخلاصة

إن سوق العمل في الأردن، رغم تحدياته، يعكس طموحًا مستمرًا في تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل. ومع استمرار الإصلاحات، وتحفيز الابتكار، والاعتماد على الموارد البشرية المحلية، يمتلك الأردن الأسس التي تؤهله لتحقيق نهضة حقيقية في قطاع العمل. يتطلب هذا النجاح تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص، واستمرار الاستثمار في التعليم، وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية، لضمان سوق عمل أكثر عدالة وفعالية في السنوات القادمة.