العمل في الصومال

يُمثل سوق العمل في الصومال حالة خاصة في القارة الإفريقية، فهو يعكس واقع بلد ينهض من رماد الحروب والنزاعات نحو مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا وانفتاحًا. وعلى الرغم من أن الصومال لا تزال تواجه تحديات كبيرة في مجالات الأمن والبنية التحتية والتنمية البشرية، فإن السنوات الأخيرة شهدت تحولات ملحوظة في بيئة العمل، مدفوعة بإصلاحات حكومية واستثمارات خارجية ودور فاعل من منظمات المجتمع المدني. في هذا المقال، نسلط الضوء على ملامح سوق العمل الصومالي، القطاعات النشطة، المبادرات الحكومية، التحديات، والفرص المستقبلية التي يمكن أن تسهم في إعادة بناء اقتصاد وطني قادر على توفير حياة كريمة للمواطن.

تحولات الاقتصاد الصومالي

شهد الاقتصاد الصومالي نموًا تدريجيًا خلال السنوات الأخيرة، مدعومًا بتحسن العلاقات الدولية، وعودة الاستثمارات من الشتات الصومالي، وتوسع القطاع الخاص في مجالات متعددة. وقد ساعد رفع بعض القيود الدولية عن الاقتصاد، وتحسين التعاملات المصرفية، في تنشيط قطاعات حيوية مثل التجارة والخدمات المالية. وتُظهر المؤشرات المالية لعام 2025 توقعات ببلوغ الناتج المحلي الإجمالي ما يفوق 13.5 مليار دولار، مما يعكس ثقة نسبية في قدرة الاقتصاد على التعافي رغم التحديات.

مبادرات حكومية لتنظيم سوق العمل

تبذل الحكومة الصومالية جهودًا ملموسة لتنظيم سوق العمل، وذلك من خلال إطلاق بوابة التوظيف الوطنية التي تتيح فرص العمل للمواطنين في مختلف المحافظات. كما تعمل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على إصدار لوائح جديدة تنظم العلاقة بين صاحب العمل والعامل، بهدف تحسين ظروف العمل ومكافحة استغلال الأيدي العاملة. وتم إطلاق برامج تدريب مهني تستهدف الشباب في القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة، الكهرباء، النجارة، والخدمات الرقمية.

فرص العمل في القطاعات النشطة

تُعد الزراعة وتربية المواشي من أهم مصادر العمل في الصومال، حيث تمثل أكثر من 60% من مصادر الدخل القومي، وتوفر وظائف مباشرة وغير مباشرة لملايين المواطنين. كذلك، يُعتبر قطاع الاتصالات من أكثر القطاعات نموًا، إذ تنشط فيه شركات محلية ذات استثمارات كبيرة تقدم خدمات الإنترنت والخدمات المصرفية عبر الهاتف. كما يشهد قطاع الإنشاءات طفرة ملحوظة مع إعادة الإعمار العمراني في العاصمة مقديشو ومدن أخرى.

التحديات الأمنية وتأثيرها على فرص العمل

لا يمكن الحديث عن سوق العمل في الصومال دون التطرق إلى الوضع الأمني غير المستقر في بعض المناطق، والذي يُعد من أبرز المعوقات أمام الاستثمار وتوسيع مشاريع التنمية. فالهجمات التي تنفذها بعض الجماعات المسلحة، وغياب مؤسسات إنفاذ القانون في بعض الأقاليم، تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وتأجيل مشاريع تنموية واعدة. ومع ذلك، نجحت الحكومة نسبيًا في بسط الأمن في عدد من المناطق، مما ساهم في فتح المجال أمام مشاريع جديدة.

البطالة بين الشباب والنساء

يعاني الصومال من واحدة من أعلى نسب البطالة في شرق إفريقيا، حيث تتجاوز بين الشباب نسبة 67%. هذه المشكلة تعود إلى عوامل عديدة، منها ضعف النظام التعليمي، ونقص التدريب الفني والمهني، وضعف الفرص الاقتصادية خارج العاصمة. كما أن النساء يواجهن تحديات مضاعفة بسبب العادات الاجتماعية والتفاوت في فرص التعليم. وقد بدأت بعض المنظمات النسائية مبادرات لتمكين المرأة الصومالية اقتصاديًا من خلال مشاريع صغيرة في مجالات مثل الخياطة، صناعة الأغذية، والتجارة الإلكترونية.

التعليم الفني ودوره في سد فجوة المهارات

يشهد التعليم الفني والتقني اهتمامًا متزايدًا من قبل الدولة والجهات الدولية المانحة. وتم افتتاح عدد من المعاهد المهنية في مقديشو وهرجيسا وبوصاصو، لتدريب الشباب على المهارات المطلوبة في سوق العمل مثل تكنولوجيا المعلومات، اللحام، تشغيل الآلات، والخدمات اللوجستية. هذه الخطوة تسعى لسد الفجوة بين التعليم التقليدي ومتطلبات السوق، ورفع كفاءة الأيدي العاملة.

دور المغتربين الصوماليين في دعم سوق العمل

يشكل المغتربون الصوماليون رافدًا اقتصاديًا هامًا للبلاد، حيث تُقدّر التحويلات المالية السنوية بما يزيد عن 1.5 مليار دولار. وقد بدأ العديد من هؤلاء المغتربين في الاستثمار بمشاريع داخل البلاد، مثل إنشاء المدارس والمراكز الصحية، أو تأسيس شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا والخدمات. هذا الدور يعزز من ديناميكية سوق العمل، ويوفر فرص توظيف جديدة.

آفاق مستقبلية لسوق العمل في الصومال

رغم التحديات، فإن آفاق سوق العمل في الصومال واعدة إذا ما استمرت الإصلاحات الاقتصادية وتحسنت الظروف الأمنية والتعليمية. التركيز على التعليم المهني، دعم المرأة، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، يمكن أن يخلق تحوّلًا جذريًا في هيكل سوق العمل. كما أن تبني الاقتصاد الرقمي والابتكار في المجالات الريفية يمكن أن يُسهم في توسيع رقعة العمل خارج المدن الكبرى.