تحتل أوغندا مكانة بارزة على الساحة الإنسانية باعتبارها إحدى أكبر الدول المستقبلة للاجئين في قارة إفريقيا، بل وفي العالم أجمع. تقع هذه الدولة في قلب القارة السمراء، وتجاور دولًا تمزقها النزاعات مثل جنوب السودان، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوروندي، مما يجعلها وجهة أساسية للباحثين عن الأمان. لا تعتمد سياسة اللجوء في أوغندا على توفير الملجأ المؤقت فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى تمكين اللاجئين ودمجهم في المجتمع المحلي. إلا أن هذه الاستراتيجية، رغم أنها تُعد متقدمة مقارنة بالعديد من السياسات العالمية، تواجه في السنوات الأخيرة تحديات جمة تهدد استمراريتها.
أقسام المقال
سياسة اللجوء في أوغندا: نموذج للتكامل والكرامة
تُعرف أوغندا بأنها من الدول القليلة التي تمنح اللاجئين فرصًا حقيقية لبناء حياة جديدة. لا تُحتجز الأسر في مخيمات مغلقة، بل تُمنح قطعًا صغيرة من الأراضي الزراعية يمكنهم استخدامها لتحقيق الاكتفاء الذاتي. كما يُسمح لهم بالانتقال بحرية داخل البلاد، وتسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية، والحصول على الخدمات الصحية على قدم المساواة مع المواطنين. هذا النموذج المتكامل يتيح للاجئ الشعور بالكرامة والانتماء، ويقلل من التبعية للمساعدات.
السياسة الأوغندية تنبع من قناعة بأن دمج اللاجئ في المجتمع يعزز من استقراره، ويخفف من الأعباء الإنسانية على المدى البعيد. وقد نالت هذه السياسات إشادات واسعة من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، كونها توفر بيئة مستقرة نسبيًا في قارة تعاني من أزمات متكررة.
تحديات التمويل والضغوط المتزايدة
رغم هذا النهج الإنساني المميز، تواجه أوغندا تحديات تمويلية خانقة تهدد قدرتها على الاستمرار في تقديم هذه الخدمات. في عام 2025، اقترب عدد اللاجئين على أراضيها من 1.8 مليون شخص، غالبيتهم من جنوب السودان والكونغو، بينما لا يغطي التمويل الدولي سوى نصف احتياجاتهم. وأدى ذلك إلى تقليص الحصص الغذائية الشهرية، ونقص في المستلزمات الطبية، وارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال.
المنظمات الأممية التي تعمل على الأرض، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، أطلقت نداءات متكررة للدعم، لكن الاستجابة ما تزال دون المستوى المطلوب. وأوغندا، رغم ترحيبها، لا تملك وحدها الإمكانيات لمواصلة دعم هذا العدد الهائل دون دعم ثابت ومستدام.
اللاجئون في المناطق الحضرية: فرص وتحديات
تُعد العاصمة كمبالا مركزًا حضريًا جاذبًا للاجئين الباحثين عن فرص اقتصادية أو خدمات أفضل. تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 150 ألف لاجئ يعيشون في المناطق الحضرية، وهو عدد كبير يخلق تحديات في مجالات السكن، والعمل، والبنية التحتية. ورغم أن الحكومة لا تفرض قيودًا كبيرة على وجود اللاجئين في المدن، إلا أن غياب الدعم المخصص لهم يجعلهم عرضة للاستغلال، ويفرض عليهم صراعًا يوميًا للبقاء.
من ناحية أخرى، يساهم هؤلاء اللاجئون بدور إيجابي في الاقتصاد الحضري، عبر إدخال مهارات جديدة، وتأسيس مشاريع صغيرة، والعمل في القطاعات غير الرسمية. وقد ساعد ذلك في تحسين صورتهم لدى بعض المجتمعات المحلية، وإن ظل بعض التوتر قائمًا نتيجة للمنافسة على الموارد.
التوترات الاجتماعية ومخاطر التمييز
مع ازدياد الأعباء، ظهرت مؤخرًا بوادر احتكاك بين بعض المجتمعات المضيفة واللاجئين، خصوصًا في المناطق التي تعاني أصلًا من الفقر وضعف الخدمات. يتهم بعض السكان المحليين اللاجئين بأنهم يحصلون على دعم أكبر، وهو ما يثير الغضب والغيرة. كما رُصدت حالات من التمييز في سوق العمل، أو في تقديم الخدمات، ما يهدد بتقويض التعايش الذي لطالما سعت إليه الحكومة.
السلطات الأوغندية والمنظمات الدولية تعمل على حملات توعية تهدف إلى تعزيز التفاهم والاحترام المتبادل، كما تُبذل جهود لتوفير مشاريع تنموية تشمل اللاجئين والمجتمعات المحلية سويًا، بهدف خلق مصالح مشتركة وتقليل حدة التوتر.
دور المجتمع الدولي في دعم أوغندا
لا يمكن لأوغندا أن تستمر في دورها الريادي في استضافة اللاجئين دون دعم خارجي كافٍ. تحتاج البلاد إلى زيادة في التمويل من الدول المانحة، وتوسيع في البرامج التنموية التي تشمل مناطق اللجوء. كما يُنتظر من المؤسسات المالية الكبرى أن تُدخل سياسات جديدة لتمويل خطط الاستجابة الإنسانية والتنموية بشكل مستدام.
الاستثمار في المجتمعات المضيفة يُعد مفتاحًا لاستمرار هذا النموذج الإنساني، إذ يساهم في تقليل الضغط على السكان المحليين، وتحسين تقبلهم للاجئين. كما أن تعزيز البنية التحتية والتعليم والصحة في المناطق المستضيفة يُحقق منافع مشتركة لجميع الأطراف.
خاتمة: نحو مستقبل أفضل للاجئين في أوغندا
لقد أثبتت أوغندا أن اللجوء لا يعني العزلة أو الحياة في خيام مؤقتة، بل يمكن أن يكون بداية لحياة جديدة قائمة على الإنتاج والاندماج. لكن هذا النموذج لا يمكنه أن ينجح وحده، بل يحتاج إلى دعم عالمي صادق واستثمار طويل الأمد في الإنسان والمكان. إن استمرار استقرار أوغندا، وكرامة اللاجئين على أرضها، هو مسؤولية دولية مشتركة لا تحتمل التأجيل.