اللجوء في الأردن

اللجوء في الأردن ليس مجرد رقم أو ظاهرة إنسانية عابرة، بل هو أحد أبرز التحديات التي تداخلت فيها الاعتبارات الإنسانية مع المصالح السياسية والضغوط الاقتصادية والاجتماعية. فمنذ عقود، لعب الأردن دور الملاذ الآمن للفارين من الحروب والنزاعات في المنطقة، ما جعله أحد أكثر الدول استقبالًا للاجئين قياسًا بعدد سكانه. هذا الوضع ترك أثرًا عميقًا في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع، وفرض على المملكة خيارات معقدة في ظل محدودية الموارد.

عدد اللاجئين في الأردن

بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في الأردن حوالي 615,715 لاجئًا حتى نهاية أبريل 2025، وفقًا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويشكّل السوريون حوالي 90.7% من هذا العدد، فيما تتوزع النسبة المتبقية بين جنسيات أخرى مثل العراقيين واليمنيين والسودانيين. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام لا تشمل اللاجئين غير المسجلين، ما يعني أن الأعداد الفعلية قد تكون أعلى.

التوزيع الجغرافي للاجئين في الأردن

يتوزع اللاجئون في الأردن بين المخيمات الرسمية والمناطق الحضرية. يعيش معظمهم، ما يقارب 490,000 لاجئ، في المدن والقرى الأردنية، مندمجين بدرجات متفاوتة في النسيج المجتمعي. في المقابل، تستوعب المخيمات الرسمية مثل الزعتري والأزرق نحو 125,000 لاجئ، مع تباين كبير في الخدمات والبنية التحتية بين هذه المخيمات والمجتمعات المضيفة. ويُعد مخيم الزعتري، الذي تأسس عام 2012، واحدًا من أكبر المخيمات في العالم، ويُعامل كمدينة مستقلة تتوفر فيها خدمات تعليمية وصحية وأسواق تجارية.

التحديات الاقتصادية والاجتماعية

يمثل وجود اللاجئين بكثافة تحديًا كبيرًا للاقتصاد الأردني، إذ تتعرض الخدمات العامة لضغوط هائلة، خاصة في مجالات المياه والصحة والتعليم. وتشير تقديرات رسمية إلى أن الأردن يحتاج سنويًا إلى أكثر من مليار دولار لتوفير الحد الأدنى من الدعم المطلوب لخدمة اللاجئين، في وقت يعاني فيه الاقتصاد المحلي من تباطؤ وتراجع في المساعدات الدولية. كما أن اللاجئين يشكلون منافسة إضافية في سوق العمل، مما يؤثر على مستويات البطالة بين المواطنين.

ومن الناحية الاجتماعية، أدى اللجوء الكثيف إلى تغيرات ديموغرافية واضحة في بعض المناطق، ما فرض تحديات على التماسك المجتمعي، خاصة مع ازدياد الطلب على السكن والخدمات الأساسية. كما أن التباين في فرص الوصول إلى الدعم والبرامج التنموية بين الأردنيين واللاجئين قد يخلق مشاعر تذمر واحتقان ما لم تُدار بشكل عادل.

الوضع القانوني وحقوق اللاجئين

الأردن ليس طرفًا في اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، إلا أنه يتعاون بشكل وثيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لضمان توفير الحماية الإنسانية لمن هم بحاجة إليها. يُمنح اللاجئون السوريون بطاقة الخدمة الخاصة التي تصدرها وزارة الداخلية، والتي تتيح لهم الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، ولكنها لا تُعد بمثابة إقامة قانونية دائمة. أما العمل، فيُشترط الحصول على تصريح رسمي تحدده قطاعات محددة مثل الزراعة والبناء.

رغم هذه التسهيلات، يواجه العديد من اللاجئين تحديات قانونية تتعلق بالإقامة، لا سيما في حال الانتقال من المخيم إلى المدن بدون تصاريح، وهو ما يعرضهم لخطر الترحيل أو فقدان المساعدات. ومن ناحية أخرى، تعمل منظمات المجتمع المدني على توعية اللاجئين بحقوقهم وسبل الوصول إلى المساعدة القانونية.

العودة الطوعية وآفاق المستقبل

شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا حادًا في أعداد اللاجئين السوريين العائدين إلى وطنهم، حيث تسيطر المخاوف الأمنية والسياسية والاقتصادية على قرارات العودة. وتشير تقارير المفوضية إلى أن عدد العائدين منذ بداية عام 2025 لم يتجاوز 2,700 لاجئ، وهو عدد يُظهر استمرار الحذر وعدم الثقة في تحسن الأوضاع في سوريا. وترى الأردن أن الحل المستدام لأزمة اللجوء هو العودة الطوعية الآمنة والكريمة، لكنها تصر على أن ذلك لا يمكن أن يتم دون ضمانات دولية واضحة.

وفي ظل غياب أفق واضح للحل السياسي في المنطقة، يتجه الأردن نحو تعزيز خطط التوطين المؤقت وتحسين البنى التحتية داخل المخيمات وتوسيع نطاق البرامج الموجهة للاجئين، بما يضمن تقليل الضغط عن الخدمات العامة وتحقيق بعض الاستقرار الاجتماعي.

دور المجتمع الدولي

المجتمع الدولي شريك رئيسي في جهود الأردن الرامية إلى إدارة أزمة اللجوء، حيث تعتمد المملكة بشكل كبير على المساعدات الخارجية في تنفيذ خطط الاستجابة. وعلى الرغم من الدعم المقدم من قبل الدول المانحة والمنظمات الأممية، فإن الفجوة التمويلية لا تزال قائمة وتشكل عائقًا حقيقيًا أمام توفير خدمات كافية للاجئين والمجتمعات المضيفة. ففي عام 2025، لم يُغطّ التمويل سوى 38% من مجمل الاحتياجات، ما دفع الحكومة إلى إعادة ترتيب الأولويات وتقليص بعض البرامج.

ويؤكد الأردن في كل المحافل الدولية على ضرورة تقاسم الأعباء بشكل عادل، ويدعو إلى زيادة الدعم التنموي، وليس فقط الإغاثي، لضمان استدامة الحلول وتخفيف الضغوط عن الدولة. كما يطالب بفتح مسارات قانونية لإعادة توطين اللاجئين في دول ثالثة، خاصة الفئات الأشد ضعفًا.

المجتمع الأردني وتفاعل السكان مع أزمة اللجوء

أظهر المجتمع الأردني مرونة وتعاطفًا إنسانيًا كبيرًا مع أزمة اللجوء، حيث احتضن العديد من العائلات السورية والعراقية داخل المدن والقرى، وشارك بعض المواطنين في تقديم المساعدة الطوعية والمبادرات الخيرية. ومع ذلك، بدأ يظهر بعض التململ في السنوات الأخيرة نتيجة زيادة الأعباء الاقتصادية وتراجع مستوى المعيشة.

وتحاول الحكومة الأردنية تعزيز التماسك المجتمعي من خلال برامج تستهدف كلا الطرفين، اللاجئين والمواطنين، بشكل متساوٍ، بهدف الحد من التوترات وبناء علاقات متوازنة تعزز من استقرار المجتمع وتخفف من حدة الاحتقان.