اللجوء في الجابون

تُعتبر الجابون واحدة من الدول الأفريقية التي تحظى بنسبة استقرار سياسي وأمني أعلى نسبيًا من بعض جيرانها، مما جعلها خلال السنوات الماضية وجهة مقبولة للعديد من اللاجئين وطالبي اللجوء القادمين من مناطق النزاع في وسط وغرب أفريقيا. هذا الاستقرار النسبي ساهم في جذب موجات من البشر الباحثين عن الأمان، رغم التحديات الاقتصادية التي تعاني منها الجابون كباقي دول الإقليم. في هذا المقال، نغوص في واقع اللجوء في الجابون، ونستعرض السياسات الحكومية، والإحصاءات، والتحديات التي تواجه اللاجئين، وكذلك الجهود المبذولة لتحسين أوضاعهم، مع إلقاء الضوء على تجارب فعلية وشهادات مؤثرة من الواقع.

الإطار القانوني للجوء في الجابون

من الناحية القانونية، تُعد الجابون دولة ملتزمة بالاتفاقيات الدولية الرئيسية الخاصة بحماية اللاجئين. فقد انضمت إلى اتفاقية جنيف لعام 1951 وبروتوكولها المكمل لعام 1967، بالإضافة إلى اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969. وتقوم وزارة الداخلية، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لشؤون اللاجئين، بمراجعة طلبات اللجوء واتخاذ قرارات بشأنها. ورغم الإطار القانوني الموجود، إلا أن اللاجئين يشتكون أحيانًا من بطء الإجراءات الإدارية، وعدم وضوح مسارات الطعون في حالة الرفض.

الإحصاءات الحديثة للاجئين وطالبي اللجوء في الجابون

حتى أوائل عام 2025، أشارت تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وجود أكثر من 400 شخص من طالبي اللجوء واللاجئين في الجابون. النسبة الأكبر منهم من دول تشاد والكونغو وأفريقيا الوسطى، وهي دول تعاني من نزاعات مسلحة واضطرابات سياسية مزمنة. وقد استقر العديد منهم في العاصمة ليبرفيل وبعض المدن الأخرى مثل بورت جنتيل. من اللافت أن معظم اللاجئين يعيشون في مناطق حضرية وليس في مخيمات، ما يعكس رغبة الحكومة في دمجهم في المجتمع بدلًا من عزلهم.

التحديات التي تواجه اللاجئين في الجابون

رغم التزام الجابون باستقبال اللاجئين، إلا أن الواقع اليومي لهؤلاء الأشخاص يحمل العديد من التحديات. من أبرز المشكلات نقص فرص العمل، حيث يضطر كثيرون إلى اللجوء للقطاع غير الرسمي بأجور متدنية وظروف غير إنسانية. التعليم يمثل تحديًا كبيرًا للأطفال اللاجئين، إذ يصعب تسجيلهم في المدارس الحكومية بسبب نقص الوثائق أو القيود الإدارية. كذلك تعاني النساء اللاجئات من هشاشة أكبر، إذ يتعرضن في بعض الحالات للتحرش أو العنف القائم على النوع الاجتماعي، وسط ضعف آليات الحماية.

جهود الحكومة والمنظمات الدولية

تبذل الحكومة الجابونية جهودًا مستمرة بالتعاون مع الهيئات الدولية لتحسين أوضاع اللاجئين. فقد أطلقت برامج لتسجيل اللاجئين وإصدار بطاقات لجوء رسمية تساعدهم على التنقل والوصول إلى بعض الخدمات. كما تدعم المفوضية مشاريع لتمكين اللاجئين اقتصاديًا عبر ورش تدريب ومساعدات مالية صغيرة للمشاريع الفردية. وهناك مبادرات لتأهيل مراكز صحية في المناطق التي يتواجد فيها اللاجئون، خاصة النساء الحوامل والأطفال.

قصص من الواقع: الحياة اليومية للاجئين في الجابون

في أحد أحياء ليبرفيل، تعيش “كلودين”، لاجئة من جمهورية الكونغو الديمقراطية، مع أطفالها الثلاثة. بعد سنوات من المعاناة في بلدها، وجدت في الجابون ملاذًا آمنًا، لكنها لا تزال تواجه صعوبة في الحصول على وظيفة ثابتة. تعمل حاليًا في تنظيف المنازل، بينما يحاول أطفالها الالتحاق بالمدرسة بمساعدة إحدى الجمعيات المحلية. قصتها تعكس التحدي المزدوج بين الأمان المادي والنفسي، وبين الحاجة إلى حياة كريمة.

دور المجتمع المدني الجابوني

لا يقتصر دعم اللاجئين على الحكومة والمنظمات الدولية فقط، بل يلعب المجتمع المدني الجابوني دورًا مهمًا أيضًا. توجد عدة جمعيات محلية تقدم الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين، وتعمل على تعزيز ثقافة التعايش بين المواطنين واللاجئين. كما تنظم هذه الجمعيات ورش عمل مشتركة وبرامج توعية في الأحياء التي يقطنها اللاجئون، وهو ما يساهم في تخفيف التوترات الاجتماعية ويعزز الاندماج.

آفاق مستقبلية للجوء في الجابون

مع تصاعد الأزمات في بعض دول القارة، من المتوقع أن تستمر الجابون في استقبال طالبي اللجوء في المستقبل القريب. ولضمان إدارة فعالة لهذا الملف، يجب على الدولة تعزيز قدراتها المؤسسية، وتحديث آليات الفحص والتسجيل، وتوفير موارد إضافية للقطاع الصحي والتعليمي. كما أن إشراك اللاجئين أنفسهم في عملية صنع القرار سيُساهم في تحسين الحلول المطروحة وتكييفها مع الواقع الفعلي.

خاتمة

رغم كونها ليست من الدول الكبرى اقتصاديًا أو سياسيًا، إلا أن الجابون أظهرت التزامًا أخلاقيًا وقانونيًا تجاه قضية اللاجئين، وفتحت أبوابها لفئات مستضعفة هربت من ويلات الحرب. لا تزال التحديات كثيرة، لكن الإرادة المشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية تبشر بإمكانية بناء نموذج إنساني متوازن، يحترم الكرامة ويضمن الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية للاجئين.