شهدت المملكة العربية السعودية خلال العقود الأخيرة تحولات لافتة في تعاملها مع قضايا اللجوء، سواء من حيث استقبالها لأعداد كبيرة من الفارين من النزاعات أو عبر مساهماتها الإغاثية إقليميًا ودوليًا. ورغم أن السعودية ليست من الدول الموقعة على اتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951، إلا أنها تستضيف عددًا كبيرًا من الأشخاص الذين لجؤوا إليها طلبًا للحماية والمعيشة الكريمة. في هذا المقال، نسلّط الضوء على واقع اللجوء في السعودية، بدءًا من الإجراءات المتبعة، مرورًا بأعداد اللاجئين وتحدياتهم، وصولًا إلى الدور الإنساني الذي تؤديه المملكة على مستوى المنطقة.
أقسام المقال
إجراءات طلب اللجوء في السعودية
تخضع طلبات اللجوء في المملكة العربية السعودية لإجراءات غير تقليدية، نظرًا لعدم وجود نظام وطني معترف به للجوء. لذلك، يتعامل معظم طالبي اللجوء مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الرياض. تبدأ العملية بالتواصل مع المفوضية عبر البريد الإلكتروني، وتقديم المعلومات الأساسية التي تشمل الهوية، الجنسية، أسباب طلب الحماية، وتفاصيل الأسرة. بعد التسجيل المبدئي، يتم تحديد موعد لإجراء مقابلة شخصية تهدف إلى تقييم الحالة ومدى انطباق معايير الحماية عليها.
يُطلب من المتقدمين إحضار وثائق ثبوتية إن توفرت، وتقديم روايات دقيقة ومفصلة عن أسباب مغادرتهم لبلدانهم. بعد المقابلة، تبدأ المفوضية في دراسة الملف، وقد يُمنح المتقدم وثيقة تسجيل مؤقتة تمكّنه من الإقامة في السعودية بشكل قانوني لحين البت في حالته. ورغم أن هذه العملية لا تفضي دائمًا إلى إعادة التوطين في بلد ثالث، فإنها تمثل خطوة مهمة نحو الحماية المؤقتة.
عدد اللاجئين في السعودية ومن أين جاءوا
لا توجد أرقام رسمية دقيقة عن عدد اللاجئين في المملكة، لكن التقديرات تشير إلى أن السعودية تستضيف مئات الآلاف من الأفراد الذين تنطبق عليهم ظروف اللجوء. وتُعد الجالية اليمنية الأكبر عددًا، حيث يصل عدد اليمنيين المقيمين في المملكة إلى نحو مليون شخص، دخل معظمهم بسبب الحرب المتواصلة منذ عام 2015.
كما تستضيف السعودية قرابة 700 ألف سوري، لجأوا إليها بعد اندلاع الأزمة السورية في 2011. وتمتاز المملكة في هذا السياق بعدم إقامة مخيمات لجوء، بل تم دمج هؤلاء الأفراد داخل المدن والمجتمعات السعودية. أما الروهينغا المسلمون، فيُقدّر عددهم بحوالي 280 ألفًا، منهم من يقيم في البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي. كذلك، يعيش في السعودية نحو 350 ألف فلسطيني، يحمل عدد منهم وثائق سفر مصرية ويقيمون منذ نكبة 1948.
حقوق وواجبات اللاجئين في السعودية
يُمنح المسجلون لدى المفوضية إقامة مؤقتة، تتيح لهم الوصول إلى بعض الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، خاصة في حالات الطوارئ والظروف الاستثنائية. كما يُسمح لهم بالإقامة النظامية، والعمل في بعض القطاعات ضمن شروط معينة. وتُعامل السلطات السعودية اللاجئين المسجلين باحترام نسبي، لكنها تفرض عليهم الالتزام الكامل بالقوانين المحلية، وتُحاسب على أي مخالفة شأنهم شأن المواطنين والمقيمين الآخرين.
من جهة أخرى، تفتقر السعودية إلى قانون واضح يُعطي وضع “لاجئ” قانوني معترف به، وهو ما يُشكّل تحديًا أمام ضمان الحماية القانونية الشاملة. كما لا توجد آلية رسمية لإعادة التوطين من داخل السعودية إلى بلدان ثالثة، باستثناء ما تقوم به المفوضية في حالات نادرة وبالتنسيق مع دول مثل كندا والسويد وألمانيا.
التحديات التي تواجه اللاجئين في السعودية
رغم الحماية غير الرسمية التي توفّرها المملكة، فإن اللاجئين يواجهون عددًا من التحديات. أولها صعوبة الحصول على إقامة دائمة، مما يخلق حالة من القلق المستمر بشأن الوضع القانوني. ثانيًا، محدودية فرص العمل بالنسبة للاجئين غير النظاميين، حيث تتطلب أغلب الوظائف عقودًا رسمية وكفالات لا تتوفر بسهولة.
كما أن غياب اعتراف قانوني صريح بوضع اللاجئ يجعلهم عرضة للترحيل في بعض الحالات، خاصة إذا خالفوا أنظمة العمل أو الإقامة. ويُضاف إلى ذلك تحدي التعليم، حيث لا يُسمح لبعض الأطفال اللاجئين بالالتحاق بالمدارس الحكومية، ما لم تكن أوضاع ذويهم القانونية مُنظمة.
المساعدات السعودية للاجئين
تلعب السعودية دورًا محوريًا في تقديم المساعدات للاجئين خارج حدودها، خاصة في الدول المجاورة التي تستضيف أعدادًا ضخمة من النازحين. عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، ساهمت المملكة بمئات الملايين من الدولارات لدعم السوريين واليمنيين والروهينغا، عبر توفير الغذاء، والمأوى، والرعاية الصحية، والتعليم.
كما أنشأت مشاريع متكاملة في بعض المخيمات مثل مخيم الزعتري في الأردن، ودعمت مستشفيات ميدانية ومدارس متنقلة في لبنان وبنغلاديش، ما يجعلها من أبرز المانحين الإقليميين في المجال الإنساني. تُظهر هذه الجهود التزامًا سعوديًا بالمشاركة في تخفيف معاناة اللاجئين، رغم تحفظها على الالتزامات القانونية الدولية.
اللجوء من السعودية إلى الخارج
على النقيض من الدول المصدرة للاجئين، فإن السعودية لا تُعتبر بلدًا يُفرّ منه المواطنون بحثًا عن اللجوء. ومع ذلك، سجّلت بعض الحالات الفردية التي تقدّم فيها مواطنون سعوديون بطلبات لجوء في دول مثل كندا وألمانيا، غالبًا لأسباب تتعلق بالحريات الشخصية أو المعتقدات. تبقى هذه الأعداد محدودة جدًا مقارنة بدول المنطقة، وتُعتبر استثناءً لا قاعدة.
خاتمة
رغم أن السعودية لا تمنح صفة اللاجئ بشكل رسمي، إلا أنها تستضيف أعدادًا كبيرة من الفارين من النزاعات، وتقدّم لهم مستويات مختلفة من الحماية والدعم. وتُظهر المساعدات التي تقدّمها عبر مؤسساتها الإغاثية التزامًا ملموسًا تجاه العمل الإنساني على مستوى العالم. ومع ذلك، يظل تطوير إطار قانوني شامل للاجئين خطوة ضرورية، تُساهم في تنظيم أوضاعهم بشكل أكثر وضوحًا، وتمنحهم الأمان والاستقرار داخل المملكة. إن إدماج اللاجئين ضمن النسيج الاجتماعي، وتوفير بيئة تحترم كرامتهم وحقوقهم، سيعكس مكانة السعودية كقوة إنسانية مؤثرة في المنطقة والعالم.