يمثل ملف اللجوء في العراق إحدى القضايا المتشابكة التي تعكس أزمات المنطقة الممتدة، من الحروب والصراعات المزمنة إلى الكوارث الإنسانية التي أثقلت كاهل الحكومات والمجتمعات المضيفة. العراق، الذي عانى لعقود من موجات تهجير داخلية وخارجية، يجد نفسه اليوم في موقع جديد كمضيف لعشرات الآلاف من اللاجئين من دول مجاورة أبرزها سوريا. لكن استضافة هؤلاء تأتي في ظل تحديات كبيرة يواجهها العراق على المستويين الاقتصادي والأمني، مما يعقّد جهود الاستجابة الإنسانية ويضعف من قدراته في توفير بيئة مستقرة لهؤلاء اللاجئين.
أقسام المقال
الوضع الراهن للاجئين في العراق
تُشير أحدث البيانات الصادرة في مايو 2025 إلى أن العراق يستضيف أكثر من 336,000 لاجئ وطالب لجوء، غالبيتهم من السوريين الذين فروا من الحرب في بلادهم منذ عام 2011. يعيش معظم هؤلاء اللاجئين في إقليم كردستان العراق، خصوصًا في محافظات أربيل ودهوك والسليمانية، حيث توفر السلطات المحلية تسهيلات نسبية مقارنةً ببقية المحافظات. ومع ذلك، فإن المخيمات المخصصة لهم، مثل مخيم دوميز وباردراش، تُعاني من الاكتظاظ ونقص الموارد، فيما يفضل البعض الإقامة في المدن بحثًا عن فرص أفضل رغم صعوبة الحياة وتكاليفها.
النازحون داخليًا: تحدٍ مستمر
لا يقتصر المشهد الإنساني على اللاجئين الأجانب، إذ يعاني العراق داخليًا من أزمة نزوح كبيرة. فبعد المعارك ضد تنظيم داعش، والنزاعات العشائرية، وغياب الخدمات في بعض المناطق، اضطر أكثر من مليون شخص للنزوح داخل البلاد. عدد كبير منهم يعيش في أوضاع هشة، سواء في مخيمات مؤقتة أو في مساكن متهالكة تفتقر إلى مقومات الحياة الكريمة. يُعاني هؤلاء النازحون من انعدام فرص التعليم والعمل، وتواجه الأسر صعوبة في تأمين الغذاء والدواء، وسط غياب حلول دائمة لإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية.
التحديات القانونية والإدارية
العراق ليس طرفًا في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، ولا بروتوكولها لعام 1967، مما يُعقّد من الوضع القانوني للاجئين ويجعل حمايتهم تعتمد على التفاهمات غير الرسمية والتعاون مع المنظمات الدولية. كما لا توجد سياسة وطنية واضحة لإدارة اللجوء أو التعامل مع طالبي الحماية الدولية، مما يفتح الباب أمام التمييز وسوء المعاملة أحيانًا. بالرغم من ذلك، بدأت السلطات، خاصة في إقليم كردستان، باتخاذ بعض الخطوات لتسجيل اللاجئين ومنحهم أوراقًا ثبوتية تُسهل حصولهم على خدمات التعليم والرعاية الصحية.
التمويل والدعم الدولي
يعتمد العراق في تغطية احتياجات اللاجئين والنازحين بشكل كبير على المساعدات الخارجية التي توفرها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية. ورغم المناشدات المتكررة، لم يتم تمويل خطة الاستجابة لعام 2025 سوى بنسبة 8% فقط حتى مايو، وهو ما يعكس فجوة هائلة بين الاحتياجات المتزايدة والموارد المتاحة. هذا العجز في التمويل يعني تقليص البرامج الغذائية، وخفض مستوى الرعاية الصحية، وتقليص خدمات التعليم التي تُقدم للأطفال اللاجئين في المخيمات.
سياسات العودة والاندماج
عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية تسير بوتيرة بطيئة وغير متوازنة، إذ تعيقها عوامل عدة مثل الألغام، ونقص البنى التحتية، واستمرار التهديدات الأمنية. من جهة أخرى، فإن اندماج اللاجئين، خاصة السوريين، في المجتمع العراقي يواجه صعوبات متعددة بسبب التحديات الاقتصادية التي تعاني منها الدولة، وارتفاع معدلات البطالة. المبادرات الحكومية بالتعاون مع المنظمات الدولية تحاول معالجة هذه الإشكاليات من خلال دعم مشاريع سبل العيش، والتدريب المهني، وتوسيع نطاق التعليم الرسمي وغير الرسمي.
التعاون الدولي والإقليمي
يمثل التعاون مع الشركاء الدوليين عنصرًا أساسيًا في استجابة العراق لأزمة اللجوء. تعمل الحكومة العراقية مع دول مثل ألمانيا وبريطانيا في مجالات تتعلق بمراقبة الحدود، ومكافحة الاتجار بالبشر، وتحسين أنظمة التسجيل. كما يُعتبر إقليم كردستان نموذجًا يُحتذى نسبيًا في مجال التنسيق مع منظمات مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين واليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي، حيث تُدار المخيمات بطريقة أكثر تنظيمًا وتوفر نسبًا أفضل من الخدمات.
أوضاع الأطفال والنساء في سياق اللجوء
تُشكل النساء والأطفال النسبة الأكبر من اللاجئين في العراق، وهم الأكثر تعرضًا للمخاطر. الأطفال يواجهون تحديات في الحصول على التعليم المنتظم، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف الأطفال اللاجئين لا يرتادون المدارس. أما النساء، فغالبًا ما يتحملن عبء إعالة الأسر في غياب المعيل الذكر، ويواجهن مشاكل تتعلق بالتحرش والعنف القائم على النوع الاجتماعي، إضافة إلى ضعف إمكانية الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية.
الآفاق المستقبلية
من غير المتوقع أن يشهد ملف اللجوء في العراق حلولًا سريعة، خاصة في ظل استمرار التوترات الإقليمية. ومع ذلك، يمكن للحكومة العراقية، بدعم من المجتمع الدولي، أن تعمل على تحسين سياساتها تجاه اللاجئين، من خلال تطوير إطار قانوني وطني يضمن حقوقهم ويحدد مسؤولياتهم. كما أن زيادة الاستثمارات في البنية التحتية للمجتمعات المضيفة وتوفير فرص العمل قد يُساهم في تخفيف التوترات وتعزيز الاستقرار الاجتماعي. إن بناء شراكات طويلة الأمد مع المنظمات الإنسانية والدول المانحة سيكون المفتاح الأساسي لمواجهة هذا التحدي المستمر.