اللجوء في الكاميرون 

تحتل الكاميرون موقعًا استراتيجيًا في قلب إفريقيا الوسطى، وهو ما يجعلها معبرًا ومأوى للآلاف من اللاجئين والنازحين الفارين من الأزمات والصراعات الإقليمية. ومع استمرار النزاعات المسلحة في الدول المجاورة، لا سيما نيجيريا وجمهورية إفريقيا الوسطى، تزداد أعداد اللاجئين بشكل متسارع، ما يضع البلاد أمام اختبارات إنسانية وأمنية ضخمة. وفي ظل التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية، تكافح الكاميرون من أجل تلبية احتياجات هؤلاء الوافدين، وسط دعم دولي لا يزال دون المستوى المطلوب.

تزايد أعداد اللاجئين في الكاميرون

استقبلت الكاميرون خلال السنوات الأخيرة أكثر من 460,000 لاجئ وطالب لجوء، معظمهم من جمهورية إفريقيا الوسطى ونيجيريا، حيث فروا من العنف المسلح والانهيار الأمني. كما يعيش أكثر من مليون شخص داخل الكاميرون كنازحين داخليين بسبب الصراعات المسلحة في الشمال الغربي والجنوب الغربي للبلاد. وتتوزع هذه التجمعات في مخيمات أو مستوطنات مؤقتة في المناطق الحدودية التي تعاني أصلاً من نقص في الخدمات.

الأسباب وراء تدفق اللاجئين إلى الكاميرون

الكاميرون ليست فقط دولة عبور، بل أصبحت ملاذًا لأولئك الذين لا يجدون خيارًا آخر سوى الهروب من الحرب والمجاعة والاضطهاد. فالصراعات المسلحة في نيجيريا مع جماعة بوكو حرام، والحرب الأهلية المتكررة في جمهورية إفريقيا الوسطى، تجعل الكاميرون بمثابة “الملاذ الأقل خطورة”. وبالرغم من أن الكاميرون نفسها تعاني من تحديات أمنية، إلا أن مستوى العنف فيها يُعتبر أقل نسبيًا، مما يدفع الكثيرين للجوء إليها.

الوضع المعيشي في المخيمات والمجتمعات المضيفة

يفتقر اللاجئون في الكاميرون إلى الأساسيات، مثل مياه الشرب النقية، والرعاية الصحية، والتعليم، والغذاء الكافي. وتعاني المخيمات من الازدحام الشديد، ونقص في البنية التحتية، وتكرار تفشي الأمراض المعدية مثل الكوليرا والملاريا. وفي المجتمعات المضيفة، تُسجل أحيانًا توترات اجتماعية بسبب التنافس على الموارد المحدودة، مما يعقّد من فرص التعايش.

الوضع القانوني لطالبي اللجوء

تُلزم القوانين الكاميرونية طالبي اللجوء بالتسجيل لدى اللجنة الوطنية للاجئين خلال 30 يومًا من دخولهم البلاد، ويُخضعون لتحقيق دقيق لتقييم أوضاعهم. يحصل من يُعترف بهم كلاجئين على وثائق قانونية تتيح لهم التنقل والعمل المحدود. ومع ذلك، فإن عمليات التسجيل بطيئة، وتفتقر للكفاءة أحيانًا بسبب نقص الموارد والموظفين، مما يُبقي العديد من اللاجئين في حالة قانونية غير واضحة.

دور المنظمات الدولية والدعم الإنساني

تتولى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) بالتعاون مع منظمات مثل اليونيسيف والصليب الأحمر، مهام توفير الحماية والخدمات الأساسية للاجئين. تشمل الجهود توزيع الأغذية، تقديم الرعاية الطبية، وإنشاء المدارس المؤقتة. إلا أن التمويل لا يغطي سوى أقل من نصف الاحتياجات، ما يؤدي إلى تقليص المساعدات وخفض الحصص الغذائية في بعض المخيمات.

تحديات النساء والأطفال في بيئة اللجوء

النساء والفتيات يتعرضن لمخاطر مضاعفة تتراوح بين الزواج القسري والعنف الجنسي، في ظل غياب الحماية الكافية. كما أن العديد من الأطفال اللاجئين يُحرمون من التعليم المنتظم، بسبب نقص المعلمين والمرافق، مما يعرض جيلًا كاملًا لخطر الجهل والبطالة المستقبلية. وتكثف بعض الجمعيات المحلية جهودها لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، لكن التغطية لا تزال محدودة.

الاندماج والتعايش مع المجتمعات المحلية

في بعض المناطق، خاصة في شمال البلاد، بدأت تظهر بوادر تعايش إيجابي بين اللاجئين والسكان المحليين، من خلال مشاريع مشتركة في الزراعة والبناء. لكن هذه المبادرات لا تزال فردية وغير منتظمة، وتحتاج إلى دعم حكومي ومؤسسي لتتحول إلى نماذج ناجحة للاندماج. التعليم المشترك والأنشطة الثقافية يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في بناء الثقة المتبادلة وتقليل التوترات.

الآفاق المستقبلية والتوصيات

تتطلب الأزمة الإنسانية في الكاميرون خطة شاملة على المستويين الوطني والدولي. ينبغي على الحكومة الكاميرونية تعزيز الإطار القانوني لحماية اللاجئين، وتسهيل حصولهم على الوثائق والخدمات. كما يجب على المجتمع الدولي زيادة التمويل للبرامج الإنسانية، ودعم مشاريع التنمية في المناطق المتضررة. الاستثمار في التعليم، الصحة، وفرص العمل سيساهم في تحويل اللاجئين من عبء إلى مورد يُسهم في تنمية المجتمع.