تعيش جمهورية الكونغو الديمقراطية أزمة إنسانية مستمرة تُعد من بين الأشد تعقيدًا في القارة الإفريقية، حيث إنّ الواقع الذي يعيشه الملايين من سكان هذا البلد لا يخرج عن كونه صراعًا يوميًا مع الخوف، الفقر، وانعدام الاستقرار. ويُعتبر اللجوء، سواء داخل الحدود أو خارجها، الخيار الأخير والمُضني لملايين الكونغوليين الذين يفرّون من ويلات الحروب والنزاعات المسلحة. تتعدّد دوافع اللجوء في الكونغو بين أسباب أمنية ومعيشية، غير أن المشهد العام يشير إلى أزمة مزمنة تستوجب تحركًا وطنيًا ودوليًا مستمرًا.
أقسام المقال
النزوح الداخلي في جمهورية الكونغو الديمقراطية
تُعد الكونغو الديمقراطية من بين أكثر الدول الإفريقية تسجيلًا لحالات النزوح الداخلي، حيث تجاوز عدد النازحين داخليًا سبعة ملايين شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال. ينتشر هؤلاء في مخيمات بدائية وسط ظروف قاسية، خصوصًا في المناطق الشرقية مثل إيتوري وشمال وجنوب كيفو، حيث تسود الاشتباكات العنيفة بين الجيش الحكومي والمجموعات المسلحة. النزوح المتكرر يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية، وانقطاع الأطفال عن التعليم، وتفكك البنى المجتمعية.
ومع استمرار العمليات العسكرية وتوسع دائرة العنف، ترتفع أعداد النازحين يومًا بعد يوم، حيث إن بعض المناطق شهدت نزوح سكانها مرتين أو أكثر خلال فترة زمنية قصيرة. تفتقر المخيمات إلى البنية التحتية، كما يندر وجود مرافق صحية أو تعليمية، مما يُجبر الأسر على الاعتماد على المساعدات الإنسانية المحدودة.
اللجوء إلى الدول المجاورة
تُعد الدول المجاورة لجمهورية الكونغو الديمقراطية مثل أوغندا، رواندا، بوروندي، زامبيا وتنزانيا وجهات رئيسية للاجئين الكونغوليين الذين يبحثون عن ملاذ آمن. ويقدّر عدد اللاجئين الكونغوليين في الخارج بأكثر من مليون ونصف لاجئ حتى ربيع 2025، ويشكّلون تحديًا كبيرًا لهذه الدول التي تعاني هي الأخرى من ظروف اقتصادية ضاغطة.
في الآونة الأخيرة، شهدت الحدود مع بوروندي وتانزانيا تدفقات جديدة للاجئين بسبب تصاعد الاشتباكات في المناطق الشرقية من الكونغو. وتبذل هذه الدول جهودًا جبارة لاستيعاب اللاجئين عبر إنشاء مخيمات ومراكز استقبال مؤقتة، إلا أن تلك الإمكانيات غالبًا ما تكون محدودة وتعتمد على الدعم الخارجي.
الوضع الإنساني في مخيمات اللاجئين
الوضع في مخيمات اللاجئين، سواء داخل الكونغو أو خارجها، يُنذر بكارثة إنسانية تتطلب تدخلاً عاجلاً. في العديد من هذه المخيمات، لا تتوفر مياه نظيفة ولا كهرباء ولا صرف صحي مناسب، مما يفاقم خطر انتشار الأمراض مثل الكوليرا والملاريا. كما أن هناك عجزًا كبيرًا في الغذاء، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال دون سن الخامسة.
ويُعاني اللاجئون أيضًا من محدودية الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية، بالإضافة إلى تعرضهم للمضايقات والاستغلال في بعض الأحيان. وتبقى النساء والفتيات الأكثر عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي، داخل بيئة المخيمات الهشة.
الجهود الدولية والاستجابة الإنسانية
رغم الجهود التي تبذلها منظمات الأمم المتحدة، لا يزال التمويل الإنساني بعيدًا عن تلبية الاحتياجات المتزايدة للاجئين والنازحين. إذ تطلق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وشركاؤها نداءات إنسانية سنوية، كان آخرها في مطلع 2025، لجمع تمويل يتجاوز 780 مليون دولار، لتأمين الخدمات الحيوية مثل الماء والغذاء والتعليم والرعاية الصحية.
ومع ذلك، فإن هذه الاستجابة تظل جزئية وغير كافية، خاصة مع اتساع رقعة النزاعات وتعقيد الأزمة السياسية في البلاد. كما تواجه الجهات الإنسانية تحديات لوجستية في الوصول إلى المناطق المتأثرة نتيجة انعدام الأمن، مما يقيّد عمليات الإغاثة ويُعرّض حياة المدنيين للخطر.
التحديات المستقبلية والحلول الممكنة
إن أزمة اللجوء في جمهورية الكونغو الديمقراطية تتطلب حلولًا طويلة الأمد، تبدأ من تحقيق الأمن والاستقرار في الداخل، وتمر عبر معالجة الأسباب الجذرية للصراع مثل الفقر، وتفشي الفساد، والتهميش الاجتماعي، وانعدام الحكم الرشيد. كما تحتاج البلاد إلى عملية مصالحة وطنية شاملة تُعيد الثقة بين المكونات المختلفة.
على المستوى الدولي، يجب تعزيز دعم الدول المجاورة وتحفيزها على تقديم المزيد من الحماية للاجئين، بالإضافة إلى زيادة التمويل الموجه للبرامج الإنسانية والتنموية على حد سواء. كما يُعد إشراك اللاجئين أنفسهم في وضع حلولهم، وتمكينهم من العمل والتعليم، خطوة أساسية لكسر حلقة الاعتماد وإعادة بناء المجتمعات.
نظرة ختامية إلى أزمة اللجوء في الكونغو الديمقراطية
أزمة اللجوء في جمهورية الكونغو الديمقراطية ليست مجرد مشكلة محلية، بل تحدٍ إنساني يخص الضمير العالمي بأسره. إن استمرار تجاهل هذه الأزمة يُنذر بامتداد تبعاتها إلى ما وراء الحدود الوطنية، ويضع الجميع أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية للتدخل العاجل والدائم. ومن دون خطوات ملموسة وإرادة سياسية حقيقية، ستبقى هذه الأزمة عنوانًا مستمرًا للمعاناة الجماعية.