في السنوات الأخيرة، أصبحت بنين محطة لجوء لآلاف الأشخاص الهاربين من ويلات الصراعات المسلحة والأزمات الأمنية المتصاعدة في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة في بوركينا فاسو والنيجر. هذه الدولة الصغيرة الواقعة في غرب إفريقيا، والتي كانت تُعرف سابقًا باستقرارها النسبي، باتت تواجه تحديات إنسانية وأمنية جديدة بفعل تدفق اللاجئين إليها من الدول المجاورة. لا يقتصر الأمر على مجرد الاستقبال، بل يمتد إلى توفير الحماية، المأوى، والرعاية الصحية والتعليمية لهؤلاء الفارين من الخوف والدمار. في هذا المقال، نسلط الضوء على واقع اللجوء في بنين حتى مايو 2025، مع عرض مفصل للأوضاع الإنسانية، الإطار القانوني، التحديات الأمنية، والاستجابة الوطنية والدولية. كما نطرح رؤى مستقبلية لمسار اللجوء في البلاد ومدى قدرتها على التكيف مع هذا الضغط المتزايد.
أقسام المقال
الوضع الإنساني للاجئين في بنين
شهدت بنين تضاعف أعداد اللاجئين خلال السنوات الأخيرة، ليصل العدد في أوائل 2025 إلى أكثر من 25,000 لاجئ وطالب لجوء مسجل، معظمهم من بوركينا فاسو، والذين هربوا من العنف المتصاعد الذي تمارسه الجماعات المسلحة. وتركز وجود هؤلاء اللاجئين في شمال البلاد، خاصة في إقليمي أليبوري وأتاكورا، حيث الحدود القريبة مع مناطق النزاع. ومن اللافت أن هناك آلاف الأشخاص الذين لم يتم تسجيلهم رسميًا حتى الآن، ويعيشون في أوضاع هشة، مما يجعل تقديم الدعم الكامل لهم تحديًا كبيرًا.
الغالبية العظمى من اللاجئين يعيشون في تجمعات غير رسمية قرب القرى الحدودية، وهو ما يعرّضهم لمخاطر متعددة تتراوح بين نقص الغذاء والمياه النظيفة، إلى غياب الرعاية الصحية الأساسية. وقد تم تسجيل عدد كبير من الأطفال المنفصلين عن ذويهم، أو من فقدوا أفرادًا من أسرهم أثناء رحلة الفرار، مما أضاف عبئًا نفسيًا كبيرًا على هذه الفئة الضعيفة.
الإطار القانوني لطلب اللجوء في بنين
تحترم بنين الالتزامات الدولية المتعلقة باللاجئين، وتُعد من الدول الموقعة على اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وكذلك بروتوكول 1967. ويشرف على ملف اللجوء فيها جهاز مختص يُعرف بالأمانة الدائمة للجنة الوطنية للاجئين وعديمي الجنسية (SP-CNRA)، حيث تتولى هذه الهيئة مسؤولية تسجيل اللاجئين، ودراسة طلبات الحماية الدولية، وتحديد مدى أهلية كل حالة للحصول على صفة اللاجئ.
تمر عملية طلب اللجوء بعدة مراحل تبدأ بتقديم الطلب في نقطة دخول رسمية أو لدى إحدى الجهات الإنسانية، ثم تتم مراجعة الطلب من خلال مقابلات شخصية وتحليل دقيق للوثائق والشهادات. يُسمح لطالبي اللجوء بالبقاء في البلاد مؤقتًا إلى حين البت في طلباتهم، وتُوفر لهم تصاريح مؤقتة تضمن عدم إعادتهم قسرًا إلى بلدانهم.
التحديات الأمنية والإنسانية في المناطق الشمالية
المناطق الشمالية من بنين، التي تحتضن الجزء الأكبر من اللاجئين، ليست بعيدة عن التهديدات الأمنية، بل أصبحت نفسها هدفًا لهجمات الجماعات المتطرفة القادمة من الحدود. فقد تم تسجيل أكثر من 200 حادث أمني في عام 2024 فقط، تراوحت بين زرع العبوات الناسفة، واعتداءات على نقاط تفتيش، وخطف مدنيين. هذه الأحداث أوجدت بيئة غير آمنة لكل من اللاجئين والسكان المحليين، مما زاد من صعوبة إيصال المساعدات والخدمات.
إضافة إلى ذلك، تعاني هذه المناطق من كوارث بيئية متكررة كفيضانات موسمية وجفاف شديد، ما يضاعف من محنة اللاجئين الذين يعيشون في مساكن مؤقتة. كما أن البنية التحتية في شمال بنين لا تتحمل هذا الضغط الديموغرافي، حيث أن المستشفيات والمدارس والخدمات الاجتماعية تعاني أصلاً من نقص حاد، مما يستدعي دعمًا دوليًا عاجلاً.
الاستجابة الوطنية والدولية لأزمة اللجوء
أمام هذا الوضع الإنساني المتأزم، أطلقت الحكومة البنينة خطة استجابة إنسانية بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأغذية العالمية، ومنظمات أخرى. تركز هذه الخطة على أربعة محاور أساسية: الغذاء، الصحة، التعليم، والحماية. تم إنشاء مراكز مؤقتة لاستقبال اللاجئين، إلى جانب إدخالهم في برامج دعم نفسي واجتماعي خصوصًا للأطفال والنساء.
وعلى الصعيد الدولي، تلقت بنين دعمًا ماليًا وتقنيًا من عدة دول ومنظمات، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما تعهدت الحكومة البنينية خلال المنتدى العالمي للاجئين عام 2023 بتنفيذ ثلاثة التزامات رئيسية تمتد حتى عام 2027، وتشمل تحسين ظروف استقبال اللاجئين، وتعزيز نظم التعليم والاندماج المجتمعي، وزيادة الشفافية في آليات منح صفة اللاجئ.
التحديات المستقبلية وآفاق التحسين
المستقبل يحمل في طياته تحديات جسام لبنين، أهمها القدرة على استيعاب أعداد متزايدة من اللاجئين في ظل محدودية الموارد. الدولة تحتاج إلى إصلاحات عميقة في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية لضمان استمرارية الدعم للاجئين دون إضعاف الخدمات المقدمة لمواطنيها. كما أن تحسين البنية التحتية في الشمال ضرورة قصوى، لضمان التوازن بين حاجات اللاجئين واحتياجات السكان المحليين.
يُعد التعليم أداة حاسمة في دعم اندماج اللاجئين، لذا فإن الاستثمار في المدارس متعددة الثقافات وبرامج تعليم اللغة، يمثل أحد الحلول الاستراتيجية. كذلك، فإن توفير فرص عمل للاجئين في مجالات الزراعة والحرف اليدوية قد يسهم في تقليل الاعتماد على المساعدات، ويعزز من الاستقرار المحلي.
خاتمة
تمثل بنين اليوم نموذجًا غير متوقع لدولة تستقبل اللاجئين وسط منطقة مشتعلة بالنزاعات، وتحاول بما تملك من موارد محدودة أن تفي بالتزاماتها الإنسانية والدولية. ورغم أن الطريق لا يزال مليئًا بالعقبات، إلا أن إرادة الحكومة وشراكاتها الدولية تفتح آفاقًا واعدة لخلق بيئة أكثر أمنًا وإنسانية للذين لجأوا إليها طلبًا للحماية. إن مستقبل اللجوء في بنين يعتمد على القدرة الجماعية للمجتمع الدولي على دعم هذه الدولة الصغيرة، وتمكينها من مواجهة تحديات كبرى بحجم الكرامة الإنسانية.