مع تنامي الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة في العديد من دول إفريقيا، أصبحت بوتسوانا وجهة لعدد متزايد من طالبي اللجوء الذين يبحثون عن ملاذ آمن واستقرار بعيدًا عن الاضطرابات. ورغم أن بوتسوانا ليست من الدول الكبرى أو ذات الموارد الواسعة، فإنها تتمتع بتاريخ من الالتزام النسبي تجاه حقوق الإنسان، لكن سياسات اللجوء فيها ما زالت تثير جدلًا واسعًا بسبب عدد من القيود والإجراءات التي تفرضها على اللاجئين.في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل واقع اللجوء في بوتسوانا، بدءًا بالإطار القانوني، مرورًا بالإجراءات، وصولًا إلى التحديات والآفاق المستقبلية.
أقسام المقال
الإطار القانوني للجوء في بوتسوانا
تعتمد بوتسوانا في تنظيم ملف اللجوء على قانون اللاجئين الصادر عام 1967، والذي لم يشهد تحديثًا كبيرًا رغم مرور عقود من التغيرات في الوضع الإقليمي والدولي. ورغم انضمام البلاد إلى اتفاقية 1951 وبروتوكول 1967، إلا أن بوتسوانا أبدت تحفظات على بنود هامة مثل حرية التنقل وحق اللاجئين في العمل والتعليم، مما يجعل القانون المحلي في كثير من الأحيان متعارضًا مع التزاماتها الدولية. ويُعاب على القانون افتقاره إلى تعريف دقيق لمصطلح “اللاجئ” بما يتماشى مع التطورات الحالية، ما يؤدي إلى استبعاد بعض الفئات من الحماية القانونية.
إجراءات تقديم طلب اللجوء
يُطلب من طالبي اللجوء في بوتسوانا التقدم بطلباتهم فور دخول البلاد، عبر مكاتب الهجرة أو مراكز الشرطة المعنية، حيث يتم تسجيل بياناتهم وإحالتهم إلى المخيمات. بعدها تُجرى مقابلات مفصلة من قبل لجنة اللاجئين لتقييم أسباب اللجوء والتحقق من الهوية والادعاءات. وتتميز هذه الإجراءات بالبطء والبيروقراطية، ما قد يدفع البعض إلى الانتظار لفترات طويلة دون حسم وضعهم القانوني، وهو ما يؤدي إلى تراكم أعداد كبيرة في المخيمات المؤقتة دون أفق واضح.
التحديات التي تواجه طالبي اللجوء
يُعد الحبس الإداري واحدًا من أكبر التحديات التي يواجهها اللاجئون في بوتسوانا، حيث يتم احتجاز بعضهم في مراكز مثل مركز فرانسيستاون لفترات طويلة حال رفض طلباتهم أو ثبوت مخالفتهم للوائح. كما أن الإقامة الجبرية داخل مخيمات مثل “دوكوي” تُقيد حرية التنقل والعمل والتعليم، ما يحول دون اندماج اللاجئين في المجتمع. إضافة إلى ذلك، يعاني المخيم من نقص حاد في الخدمات الطبية والبنية التحتية، وعدم وجود برامج تأهيل أو دعم نفسي للمتضررين من الحروب والعنف.
دور المنظمات الدولية والمحلية
تلعب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين دورًا محوريًا في تقديم الدعم الإنساني للاجئين ببوتسوانا، لكنها تواجه صعوبات في تغطية جميع الاحتياجات نظرًا لمحدودية التمويل وسياسات الحكومة المقيدة. وتساهم منظمات محلية مثل “Legal Aid Botswana” و”Ditshwanelo” في تقديم الاستشارات القانونية والترافع عن اللاجئين المهددين بالترحيل، لكنها تعمل في بيئة قانونية غير مواتية. ويؤدي غياب استراتيجية وطنية شاملة إلى تقليص فاعلية الجهود المبذولة من هذه الجهات.
الخطوات المستقبلية والتوصيات
لتحسين واقع اللجوء في بوتسوانا، ينبغي على الحكومة اتخاذ خطوات ملموسة لتحديث الإطار التشريعي، لا سيما بإلغاء التحفظات على اتفاقية 1951، وإقرار قوانين جديدة تضمن الكرامة وحقوق الإنسان لطالبي اللجوء. من المهم أيضًا السماح بحرية التنقل والعمل للاجئين بما يتيح لهم الاعتماد على أنفسهم ويقلل من العبء على الدولة. كما يُوصى بتطوير البنية التحتية في المخيمات، وإنشاء آلية مستقلة لمراقبة انتهاكات حقوق اللاجئين، والتعاون الوثيق مع المنظمات الدولية لتحقيق حلول مستدامة.
الحياة داخل مخيم دوكوي
يقع مخيم دوكوي في شمال بوتسوانا، ويُعد المقر الرئيسي لمعظم اللاجئين في البلاد. يعيش فيه ما يقرب من ألف شخص من جنسيات مختلفة أبرزها من جمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي. يُمنع سكان المخيم من مغادرته دون إذن، كما يخضعون لرقابة أمنية مشددة. رغم توفير بعض الخدمات الأساسية، يعاني سكان المخيم من عزلة اجتماعية ونقص فرص التعليم والرعاية الصحية، ما يفاقم معاناتهم النفسية.
الترحيل القسري والجدل القانوني
في أكتوبر 2024، أثارت تقارير ترحيل أكثر من 240 طالب لجوء من بوتسوانا جدلًا واسعًا بين المنظمات الحقوقية والحكومة. أكدت السلطات أن القرار تم بعد رفض طلباتهم، لكن بعض الحالات شملت نساء وأطفالًا ومرضى، ما أثار انتقادات حادة. ويطالب نشطاء حقوق الإنسان بإيقاف عمليات الترحيل الجماعي ومراجعة ملفات اللاجئين بشكل فردي وإنساني، مع منحهم حق الاستئناف أمام جهة قضائية مستقلة.