تُعتبر تنزانيا من الدول الإفريقية التي لعبت دورًا إنسانيًا بارزًا في استقبال اللاجئين من دول الجوار التي مزقتها الحروب والصراعات، مثل بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا. لكن في ظل التحديات الاقتصادية وتغيرات السياسات الإقليمية، أصبح ملف اللجوء في تنزانيا من أكثر الملفات تعقيدًا، حيث يتداخل الجانب الإنساني مع اعتبارات الأمن والتنمية. في هذا المقال، نلقي الضوء على الوضع الراهن للاجئين في تنزانيا، ونحلل السياسات الحكومية، والتحديات التي يواجهها اللاجئون، ونستعرض دور المجتمع الدولي في دعم هذه القضية.
أقسام المقال
الوضع الراهن للاجئين في تنزانيا
تستضيف تنزانيا حتى عام 2025 قرابة 230,000 لاجئ وطالب لجوء، مع استمرار تدفق الوافدين الجدد بسبب الأوضاع غير المستقرة في بلدانهم الأصلية. يعيش معظم هؤلاء في مخيمي نياروغوسو وندوتا بمنطقة كيغوما القريبة من الحدود الغربية. ويعاني اللاجئون هناك من بنية تحتية متواضعة، حيث تفتقر المخيمات إلى وسائل النقل الكافية، وتتأثر بشدة في موسم الأمطار الذي يُسبب تآكل الطرق وانقطاع المساعدات. كما أن الأطفال يُواجهون تحديات في الوصول إلى التعليم المنتظم، إذ غالبًا ما تكون المدارس مكتظة وتعاني من نقص المعلمين.
سياسات اللجوء في تنزانيا
مرت سياسة اللجوء في تنزانيا بتحولات جذرية، إذ كانت من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، وعُرفت بسياساتها المرحبة لعقود طويلة. لكن في السنوات الأخيرة، اتجهت السلطات إلى تشديد الإجراءات الأمنية، ومنعت اللاجئين من مغادرة المخيمات دون تصريح، كما حدت من إصدار تصاريح العمل. تسعى الحكومة من خلال هذه الإجراءات إلى تقليل العبء الاقتصادي وحماية الأمن القومي، لكنها تواجه في الوقت نفسه انتقادات من منظمات حقوق الإنسان التي تطالب بتوفير بدائل أكثر إنصافًا وإنسانية.
التحديات التي تواجه اللاجئين
يعيش اللاجئون في تنزانيا في بيئة معقدة تعج بالصعوبات. أبرز هذه التحديات هو نقص الموارد الغذائية، حيث تم تقليص الحصص الغذائية في بعض الفترات بسبب قلة التمويل الدولي. كما أن الخدمات الصحية في المخيمات تفتقر إلى الأجهزة الطبية الحديثة والأدوية الأساسية، مما يضع حياة الكثيرين، خاصةً النساء الحوامل والأطفال، في خطر. وهناك أيضًا تحديات نفسية متزايدة بين اللاجئين بسبب طول أمد الإقامة في المخيمات وعدم وضوح المستقبل.
دور المنظمات الإنسانية
تلعب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين دورًا أساسيًا في تنسيق جهود الاستجابة الإنسانية، إلى جانب منظمات أخرى مثل برنامج الغذاء العالمي ومنظمة أطباء بلا حدود. تقوم هذه المنظمات بجهود جبارة رغم نقص الموارد، من خلال توفير المأوى، والرعاية الصحية، والدعم النفسي، وبرامج تعليم الأطفال والتدريب المهني للشباب. كما تبذل جهودًا لإشراك المجتمعات المضيفة في المشاريع التنموية، بهدف تقليل التوترات وتعزيز التعايش.
آفاق المستقبل للاجئين في تنزانيا
المستقبل لا يزال ضبابيًا بالنسبة للاجئين في تنزانيا، خاصةً مع استمرار الأزمات السياسية في دول المصدر. ولكن هناك مبادرات واعدة يتم تطويرها بالتعاون مع الأمم المتحدة، مثل خطط الدمج المحلي وإعادة التوطين في بلدان ثالثة. كما تسعى تنزانيا للحصول على دعم دولي أكبر لتطوير البنية التحتية في مناطق الاستضافة، بحيث يمكن للاجئين والمجتمعات المحلية الاستفادة من المشاريع الزراعية والتعليمية المشتركة.
اللجوء كملف سياسي وأمني
لم يعد اللجوء في تنزانيا مجرد قضية إنسانية، بل أصبح مرتبطًا بالسيادة الوطنية والأمن الإقليمي. فوجود عشرات الآلاف من اللاجئين في المناطق الحدودية يُثير مخاوف الحكومة من التسلل أو تهريب الأسلحة أو تأجيج النزاعات بين الجماعات العرقية. ولهذا السبب، تنظر الدولة بجدية إلى كل طلب لجوء، وتُجري تحريات موسعة قبل منح الوضع القانوني لطالبي اللجوء. إلا أن هذه السياسة، رغم وجاهتها الأمنية، تُبطئ الإجراءات وتترك آلاف الأفراد في حالة من الانتظار الطويل.
أثر اللجوء على المجتمعات المضيفة
تعاني المجتمعات المحلية في كيغوما من ضغوط متزايدة بسبب استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين. فالموارد الطبيعية مثل المياه والحطب والأراضي الزراعية أصبحت مهددة بالنضوب، مما يُسبب توترات اجتماعية بين السكان الأصليين واللاجئين. في المقابل، بدأت بعض البرامج التنموية المشتركة في تخفيف هذه التوترات، من خلال إشراك السكان في فرص العمل وتحسين البنية التحتية الصحية والتعليمية في القرى المجاورة للمخيمات.