اللجوء في تونس

أصبحت تونس خلال السنوات الأخيرة محطة رئيسية في مسارات الهجرة واللجوء عبر شمال إفريقيا، خصوصًا في ظل النزاعات المتواصلة في بلدان جنوب الصحراء والشرق الأوسط. ورغم موقعها الجغرافي الحيوي ودورها الإقليمي، لا تزال البلاد تُواجه تحديات جمة في التعامل مع ملفات اللجوء، بدءًا من غياب الأطر القانونية الوطنية، مرورًا بضعف الإمكانيات الاقتصادية، وصولًا إلى الضغوط السياسية والأمنية المرتبطة بالتعاون الدولي. يستعرض هذا المقال واقع اللجوء في تونس بكل أبعاده، متناولًا التحديات والفرص والآفاق المستقبلية.

الوضع القانوني: فراغ تشريعي يؤجج الأزمة

رغم توقيع تونس على اتفاقية جنيف لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، إلا أنها لم تعتمد بعد قانونًا وطنيًا يُنظم أوضاع اللاجئين بشكل مفصل. هذا الفراغ القانوني يُجبر السلطات على ترك ملف اللجوء بيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ما يضعف الحماية القانونية ويُعقّد إمكانية إدماج اللاجئين في المجتمع التونسي. كما أن غياب آلية وطنية لتحديد صفة اللاجئ يجعل طالبي اللجوء في وضع هش قد يتسبب في ترحيلهم أو توقيفهم.

الملف الديموغرافي: أرقام متزايدة وجنسيات متنوعة

تشير الإحصاءات إلى أن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس تجاوز 15,600 شخص بحلول الربع الأول من عام 2025، مع تمثيل قوي للجاليات السودانية بنسبة تقارب النصف، إلى جانب السوريين، الإريتريين، الصوماليين، واليمنيين. هذا التنوع يُلقي بعبء إضافي على المنظمات العاملة في المجال الإنساني، ويستدعي تكييف البرامج والمساعدات بما يتلاءم مع الخلفيات الثقافية والدينية واللغوية المختلفة لهؤلاء الأفراد.

الواقع المعيشي: الفقر والتهميش في المدن والأرياف

يعيش أغلب اللاجئين في تونس في ظروف معيشية صعبة تتسم بالاكتظاظ وانعدام الاستقرار، لا سيما في المناطق الحضرية الكبرى مثل تونس العاصمة، وصفاقس، ومدنين. يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على سكن لائق أو فرص عمل قانونية، مما يُجبر البعض على العمل في الاقتصاد الموازي بأجور زهيدة وبدون ضمانات. ويؤثر هذا الوضع سلبًا على نفسيتهم ويزيد من احتمالية تعرضهم للاستغلال.

الوضع الصحي والتعليمي: خدمات محدودة وإمكانيات ضئيلة

يعاني اللاجئون من صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية، خصوصًا في المناطق الداخلية حيث تفتقر البنية التحتية الطبية إلى التجهيزات والكوادر. أما في ما يخص التعليم، فإن الأطفال اللاجئين غالبًا ما يُواجهون عقبات في التسجيل بالمدارس العمومية، إما بسبب غياب الوثائق الرسمية أو ضعف قدرة العائلات على تغطية النفقات الثانوية مثل النقل واللوازم المدرسية.

النهج الأمني: ما بين السيادة والحقوق

تتعامل السلطات التونسية أحيانًا بنهج أمني مشدد مع اللاجئين، خاصة في المناطق الحدودية أو عند تنفيذ حملات ضد الهجرة غير النظامية. وقد وثقت منظمات حقوقية حالات طرد جماعي باتجاه الحدود الليبية أو الجزائرية، وهو ما يعرض حياة اللاجئين للخطر ويُنذر بأزمات إنسانية متكررة. وبين اعتبارات الأمن القومي وضرورات حقوق الإنسان، تقف تونس أمام تحدي الموازنة الدقيقة.

المجتمع المدني: دور فاعل رغم محدودية الموارد

تلعب الجمعيات والمنظمات غير الحكومية دورًا محوريًا في دعم اللاجئين، سواء عبر تقديم المساعدات الغذائية والصحية أو تنظيم الأنشطة التعليمية والتوعوية. لكن هذه الجهود تُواجه تحديات التمويل والاستدامة، خصوصًا في ظل تراجع الدعم الدولي وارتفاع الطلب على الخدمات. كما أن بعض المبادرات تواجه عراقيل بيروقراطية تُحد من فعاليتها.

الاتحاد الأوروبي والتمويل المشروط

دخلت تونس في شراكات مع الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير الشرعية، تحصل بموجبها على دعم مالي مقابل تعزيز الرقابة الحدودية. ورغم ما توفره هذه الاتفاقيات من موارد إضافية، إلا أنها تُنتقد لكونها تضع الهجرة في إطار أمني بحت دون مراعاة الجوانب الإنسانية والحقوقية. وهذا يُثير الجدل داخليًا بشأن مدى استقلالية القرار الوطني في ملفات الهجرة.

نحو إصلاح حقيقي: توصيات واستشراف

تحتاج تونس إلى مراجعة شاملة لسياساتها المتعلقة باللجوء، تبدأ من تبني قانون وطني للجوء، مرورًا بتعزيز قدرات المؤسسات الرسمية، وصولًا إلى تطوير برامج اندماج فعالة للاجئين في سوق العمل والنسيج الاجتماعي. كما أن تعزيز الشفافية في التعاون مع الشركاء الدوليين، وضمان إشراك المجتمع المدني، يشكلان ركيزة أساسية لتحقيق إدارة إنسانية وشاملة لهذا الملف.

خاتمة: بين التحدي والمسؤولية

يمثل ملف اللجوء في تونس معضلة معقدة تتقاطع فيها الاعتبارات الإنسانية بالقضايا السياسية والاقتصادية. وإذا أرادت تونس أن تكون نموذجًا إقليميًا في إدارة اللجوء، فعليها أن تتبنى نهجًا شاملًا يُوازن بين حماية الحدود واحترام الحقوق، ويُترجم التزاماتها الدولية إلى سياسات وطنية فعالة تراعي كرامة الإنسان وتضمن له الأمان والكرامة.