اللجوء في جنوب إفريقيا

تُعد جنوب إفريقيا من أكثر الدول الأفريقية التي تستقطب طالبي اللجوء من شتى أنحاء القارة والعالم، نظرًا لما تتمتع به من استقرار نسبي، وقوانين تقدّمية تُعنى بحقوق الإنسان، فضلًا عن كونها من الاقتصادات الكبرى في إفريقيا. ورغم أن مسار اللجوء في جنوب إفريقيا محفوف بالتعقيدات البيروقراطية، إلا أن العديد من الفارين من الاضطهاد والعنف في بلدانهم يجدون فيها ملاذًا وأملًا في مستقبل أفضل. هذا المقال يُسلّط الضوء على الإطار القانوني والإجرائي لطلبات اللجوء في جنوب إفريقيا، كما يتناول التحديات التي يواجهها اللاجئون، والدور الفعّال للمجتمع المدني، إلى جانب لمحة عن الإحصاءات الأخيرة والتوجهات المستقبلية.

الإطار القانوني للجوء في جنوب إفريقيا

يُعد قانون اللاجئين رقم 130 لعام 1998 حجر الزاوية في نظام حماية اللاجئين في جنوب إفريقيا، ويستند إلى عدد من الاتفاقيات الدولية من بينها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951، وبروتوكول 1967، واتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969. تُلزم هذه الاتفاقيات الدولة بتوفير الحماية لطالبي اللجوء، وتمنع ترحيلهم القسري، وتكفل لهم حق العمل والتعليم والحصول على الرعاية الصحية. وفي السنوات الأخيرة، شهد هذا الإطار القانوني بعض التعديلات التي أثارت قلق المدافعين عن حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بإجراءات الطعن وتقليص بعض الامتيازات.

عملية تقديم طلب اللجوء في جنوب إفريقيا

عند دخول طالب اللجوء إلى البلاد، يتوجب عليه التوجه إلى أحد مراكز استقبال اللاجئين، والتي تُعرف بمراكز “Refugee Reception Offices”، حيث يُسجّل طلبه ويحصل على تصريح مؤقت يُعرف بـ “تصريح القسم 22″، يُجدد كل ستة أشهر ويخوّله الإقامة القانونية والعمل. لاحقًا، يُجري المتقدّم مقابلة تفصيلية مع مسؤول من وزارة الشؤون الداخلية، ويُنظر في قضيته بشكل فردي. إذا تم قبول الطلب، يُمنح الشخص وضع اللاجئ ويحصل على “تصريح القسم 24″، وهو تصريح يُجدد كل سنتين. في حال الرفض، يحق لطالب اللجوء الاستئناف أمام لجنة مستقلة.

التحديات التي تواجه طالبي اللجوء في جنوب إفريقيا

يُعاني طالبو اللجوء من جملة من التحديات، من أبرزها بطء الإجراءات البيروقراطية، ما يترك البعض في وضع قانوني هش لسنوات. كما أن الفساد داخل بعض مكاتب الاستقبال يزيد من معاناة المتقدّمين، حيث يتعرض بعضهم لمطالب غير قانونية لتسريع الملفات. إضافة إلى ذلك، فإن الوضع الاقتصادي المتدهور والبطالة المرتفعة تُفاقم من المشاعر المعادية للأجانب، ما يؤدي إلى أعمال عنف وتمييز ضد اللاجئين. كما أن بعض اللاجئين يُحرمون من الخدمات الصحية والاجتماعية بسبب نقص الوثائق أو سوء الفهم من قبل مقدّمي الخدمات.

دور المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني

تلعب المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني دورًا محوريًا في دعم طالبي اللجوء، سواء من خلال تقديم الاستشارات القانونية، أو المساعدة في تعبئة النماذج، أو تقديم الدعم النفسي والاجتماعي. من أبرز هذه الجهات: مركز الحقوق القانونية للاجئين، ومحامون من أجل حقوق الإنسان، والمجلس الجنوب إفريقي للكنائس. كما تُشارك هذه المنظمات في المناصرة لدى الحكومة لتحسين السياسات، وتُطلق حملات توعية لمكافحة التمييز العنصري. ويُلاحظ أن التنسيق بين هذه المنظمات قد تحسّن في السنوات الأخيرة، مما زاد من فعالية تدخلاتها.

الإحصاءات والبيانات المتعلقة باللاجئين في جنوب إفريقيا

بحسب إحصاءات عام 2024، تستضيف جنوب إفريقيا ما يزيد عن 250 ألف لاجئ وطالب لجوء، معظمهم من دول إفريقية مثل زيمبابوي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وبوروندي، والصومال. وتُشير التقارير إلى أن ما يقرب من 90% من الطلبات تظل قيد المعالجة لفترة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، ما يضع أصحابها في وضع هش قانونيًا واجتماعيًا. كما أن العديد من طالبي اللجوء يعيشون في الأحياء العشوائية ويفتقرون إلى فرص التعليم والتوظيف الرسمية، مما يزيد من اعتمادهم على الاقتصاد غير الرسمي.

وفي تحديثات عام 2025، أفادت البيانات الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن جنوب إفريقيا تستضيف قرابة 163,410 لاجئًا وطالب لجوء، وهو ما يُمثّل نحو 15.5% من إجمالي اللاجئين في منطقة الجنوب الإفريقي. ويعكس هذا الرقم انخفاضًا طفيفًا مقارنة بالأعوام السابقة، ويُعزى ذلك إلى التشديدات الأخيرة على سياسات اللجوء وكذلك تزايد أعداد المرحّلين أو من اختاروا العودة الطوعية. ومع ذلك، لا تزال جنوب إفريقيا واحدة من الوجهات الأكثر استقطابًا في القارة، لما تقدّمه من إمكانات قانونية واقتصادية رغم التحديات.

التطورات السياسية وتأثيرها على سياسة اللجوء

أثرت التحولات السياسية في جنوب إفريقيا على طريقة تعامل الحكومة مع قضايا الهجرة واللجوء. فمع تزايد الضغوط الاقتصادية الداخلية، اتخذت بعض الجهات الحكومية مواقف متشددة تجاه الأجانب، حيث تم إصدار تشريعات تقيد من فرص توطين اللاجئين، أو تشجع على إعادتهم إلى بلدانهم بمجرد انتهاء أسباب اللجوء. كما تم إغلاق بعض مكاتب الاستقبال بدعوى سوء الإدارة. في المقابل، تستمر بعض التيارات السياسية والمنظمات المدنية في الضغط باتجاه اعتماد سياسات أكثر إنصافًا وإنسانية، خاصة في ظل تفاقم الأزمات في دول الجوار.

واقع الاندماج وفرص اللاجئين في جنوب إفريقيا

يواجه اللاجئون في جنوب إفريقيا تحديات كبيرة في الاندماج داخل المجتمع المحلي. ورغم أن القانون يتيح لهم العمل والدراسة، إلا أن العقبات اللغوية والثقافية، فضلاً عن التمييز، تضعف من فرص اندماجهم الفعلي. كما أن غياب برامج حكومية لدعم الاندماج يجعل منظمات المجتمع المدني هي المصدر الأساسي لأي دعم في هذا المجال. ومع ذلك، ينجح عدد من اللاجئين في تأسيس مشروعات صغيرة أو الانخراط في سوق العمل، خاصة في قطاعات غير رسمية مثل البيع بالتجزئة أو النقل.

الآفاق المستقبلية لسياسة اللجوء في جنوب إفريقيا

مع تنامي الضغط الدولي والمحلي، من المتوقع أن تُعيد جنوب إفريقيا النظر في بعض جوانب نظام اللجوء لديها. هناك مطالبات بزيادة عدد الموظفين المؤهلين في مكاتب الاستقبال، وتحسين الشفافية، وإدخال أنظمة رقمية لتسريع الإجراءات وتقليل التلاعب. كما تُطالب الجهات الحقوقية بتخصيص ميزانيات لدعم مشاريع إدماج اللاجئين، وتوفير التدريب المهني لهم، وتعزيز حملات مكافحة الكراهية والعنصرية. ويبقى مستقبل سياسة اللجوء مرهونًا بإرادة سياسية حقيقية، وتوازن دقيق بين الاعتبارات الإنسانية والضغوط الاقتصادية.