اللجوء في كينيا

تُعد كينيا نقطة محورية في ملف اللجوء الإنساني بالقارة الإفريقية، حيث تستضيف مئات الآلاف من اللاجئين القادمين من دول تشهد أزمات أمنية وصراعات داخلية ممتدة مثل الصومال، جنوب السودان، وإثيوبيا. وقد أدّت الجغرافيا السياسية لكينيا وموقعها الاستراتيجي إلى جعلها ملاذًا رئيسيًا للفارين من الاضطرابات الإقليمية. إلا أن هذه الاستضافة تنطوي على تحديات كبيرة بالنسبة للحكومة الكينية وللاجئين أنفسهم، حيث تتراوح بين ضغوط البنية التحتية، ونقص التمويل، وصعوبة الاندماج في المجتمعات المحلية.

مخيمات اللاجئين في كينيا: دادااب وكاكوما

يُعتبر مخيم دادااب من أبرز معالم اللجوء في كينيا، ويقع في مقاطعة غاريسا شرقي البلاد، ويضم أكثر من 400 ألف لاجئ، معظمهم من الصومال. منذ إنشائه في أوائل التسعينيات، شهد المخيم تطورًا تدريجيًا من منطقة طوارئ إلى مجتمع شبه دائم، يحتوي على مدارس ومساجد وأسواق. لكن رغم هذا التوسع، لا تزال الحياة داخل المخيم تواجه تحديات كبيرة، أبرزها محدودية فرص التعليم العالي والعمل، وانتشار الأمراض، والانكشاف للعوامل المناخية القاسية.

في الشمال الغربي، يبرز مخيم كاكوما الذي تأسس عام 1992 ويأوي لاجئين من جنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. يمثل كاكوما نموذجًا لحالة طويلة الأمد من اللجوء، حيث نشأ جيل كامل داخل المخيم، لا يعرف موطنًا آخر. ويعاني سكانه من اكتظاظ في الصفوف الدراسية، وندرة في الخدمات الصحية، وتوترات متكررة مع المجتمعات المضيفة بسبب الضغط على الموارد الطبيعية المحدودة.

التحول في سياسات اللجوء: خطة “شيريكا”

مع تصاعد التحديات المرتبطة بإدارة ملف اللاجئين، اتجهت الحكومة الكينية نحو سياسة جديدة تقوم على الدمج التدريجي للمخيمات في المجتمعات المحلية عبر خطة “شيريكا”. تهدف هذه الخطة، التي أُطلقت رسميًا في عام 2025، إلى تحويل نموذج الاستضافة من الاعتماد على المعونات الإنسانية إلى التنمية الذاتية والتمكين الاقتصادي. يشمل هذا النموذج إنشاء بنية تحتية مشتركة بين اللاجئين والمواطنين الكينيين، مع التركيز على فرص التعليم والعمل.

وتعد “شيريكا” استجابة مبتكرة للأوضاع الإنسانية المزمنة، كما أنها محاولة لتخفيف العبء عن الحكومة والمجتمعات المضيفة من خلال توزيع المسؤولية بين مختلف الأطراف، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة، المنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص. ورغم أنها لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أنها لاقت ترحيبًا من المجتمع الدولي وأثارت اهتمامًا كنموذج قابل للتكرار في بلدان أخرى.

التحديات الاقتصادية والاجتماعية للاجئين في كينيا

يعاني اللاجئون في كينيا من عقبات اقتصادية حادة، أبرزها القيود القانونية المفروضة على حرية الحركة والعمل خارج المخيمات. كما أنهم يواجهون صعوبات في تسجيل المشاريع الصغيرة أو الحصول على تراخيص تجارية، مما يحد من قدراتهم على تحقيق دخل مستقر.

من الناحية الاجتماعية، تواجه العائلات اللاجئة مشاكل في لمّ الشمل، والتعامل مع الصدمات النفسية الناجمة عن النزوح القسري. ويُسجّل أيضًا ارتفاع في حالات العنف الأسري وزواج القاصرات في بعض المخيمات بسبب الفقر والضغط المجتمعي. كل هذه التحديات تضع مسؤولية متزايدة على كاهل المنظمات الإنسانية لتوفير برامج شاملة للحماية والدعم.

اللاجئون في المناطق الحضرية: التحديات والفرص

اختار بعض اللاجئين الاستقرار في المدن الكينية الكبرى مثل نيروبي ومومباسا بدلاً من البقاء في المخيمات. رغم أن الحياة في المدن تمنحهم حرية أكبر وفرصًا اقتصادية، إلا أنها تنطوي على مخاطر عدة، مثل غلاء المعيشة، وصعوبة الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم، والتمييز الاجتماعي.

إلا أن اللاجئين الحضريين يلعبون دورًا مهمًا في الاقتصاد المحلي من خلال المشاريع الصغيرة، والمهن اليدوية، والمساهمة في التنوع الثقافي والاجتماعي. وتبرز هنا أهمية دعم البلديات المحلية وتمكينها من دمج اللاجئين بطريقة تضمن التوازن بين متطلبات السكان الأصليين والوافدين الجدد.

التمويل والدعم الدولي: فجوة مستمرة

رغم تعهدات المجتمع الدولي المتكررة بدعم كينيا، إلا أن الفجوة التمويلية لا تزال كبيرة. تواجه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من الوكالات نقصًا مزمنًا في الموارد، ما ينعكس على نوعية الخدمات المقدمة للاجئين.

في عام 2024، تم تمويل أقل من 50% من احتياجات خطة الاستجابة الإنسانية للاجئين في كينيا، وهو ما أدى إلى تقليص الحصص الغذائية، وخفض دعم التعليم، وتجميد بعض برامج التمكين الاقتصادي. ويتطلب سد هذه الفجوة التزامًا أقوى من الدول المانحة، إضافة إلى استكشاف مصادر تمويل بديلة، مثل الشراكات مع القطاع الخاص والمبادرات المجتمعية.

التحديات البيئية المرتبطة باللجوء في كينيا

يتسبب وجود أعداد كبيرة من اللاجئين في مناطق تعاني أصلًا من الجفاف ونقص الموارد في أزمات بيئية متزايدة. وتشمل هذه الأزمات تدهور الأراضي الزراعية، إزالة الغابات، والضغط على مصادر المياه.

تحاول كينيا والمنظمات الإنسانية مواجهة هذه التحديات من خلال إدخال تقنيات الطاقة الشمسية، وتحسين نظم الصرف الصحي، وزراعة الأشجار حول المخيمات. لكن الحلول البيئية لا تزال محدودة مقارنة بحجم التأثير، ما يتطلب إدماج البعد البيئي في كل سياسات اللجوء والتنمية.

الخلاصة

يُعتبر ملف اللجوء في كينيا من أكثر الملفات تعقيدًا في شرق إفريقيا، لما يحمله من تداخلات إنسانية، سياسية، واقتصادية. ورغم أن كينيا تستحق الثناء على التزامها الطويل باستقبال اللاجئين، إلا أن التحديات تفوق إمكانياتها، ما يستدعي تضامنًا إقليميًا ودوليًا فعّالًا.

تشكل خطة “شيريكا” فرصة لإعادة رسم مستقبل اللجوء في كينيا، بشرط استمرارية التمويل والتنسيق المتعدد المستويات، وإشراك اللاجئين أنفسهم في اتخاذ القرار. ومن خلال هذا النهج الشامل، يمكن تحويل التحدي إلى فرصة لبناء مجتمعات أكثر تماسكًا وعدالة.