في قلب منطقة الشرق الأوسط المضطربة، يقف لبنان كبلد صغير الحجم وعظيم التحديات، في مواجهة واحدة من أكثر أزمات اللجوء تعقيدًا في العالم. فمنذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، تدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى الأراضي اللبنانية، إضافة إلى وجود اللاجئين الفلسطينيين الذين يعود وجودهم إلى عقود سابقة، ولاجئين من جنسيات أخرى. ورغم أن لبنان ليس طرفًا في الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين، إلا أنه استقبل أعدادًا هائلة منهم مقارنة بعدد سكانه، مما جعله يتحمّل أعباء لا تحتمل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. يتناول هذا المقال الأوضاع الراهنة للاجئين في لبنان من زوايا متعددة، ويسلط الضوء على التحديات، والبيانات المحدثة، والتحركات الدولية، وسُبل الحل.
أقسام المقال
عدد اللاجئين في لبنان وحركة النزوح الأخيرة
حتى مايو 2025، يُقيم في لبنان أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري، يُضاف إليهم نحو 180,000 لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأونروا، بالإضافة إلى ما يزيد عن 23,000 لاجئ فلسطيني قادمين من سوريا، وعدد أقل من جنسيات أخرى مثل السودان والعراق وإثيوبيا. تشير التقديرات إلى أن واحدًا من كل ثلاثة أشخاص في لبنان هو لاجئ أو نازح. وقد ازدادت التحديات في الأشهر الأخيرة نتيجة النزاع الحدودي مع إسرائيل، والذي أدى إلى نزوح داخلي لأكثر من 886,000 شخص، وخروج أكثر من 540,000 شخص خارج الحدود، أغلبهم من السوريين واللبنانيين نحو سوريا. هذا التزايد الحاد في حركة النزوح يزيد من تفاقم الضغط على بلد يعاني أصلًا من أزمات عميقة.
الوضع الاقتصادي وتأثيره على اللاجئين في لبنان
يمر لبنان منذ عام 2019 بانهيار اقتصادي شامل، تجلّى في فقدان الليرة اللبنانية لأكثر من 90% من قيمتها، وانهيار النظام المصرفي، وانخفاض قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية. تضاعفت نسبة البطالة بين السكان، وبلغت مستويات الفقر ذروتها لتشمل أكثر من 80% من المقيمين في لبنان، بمن فيهم اللاجئون. اللاجئون السوريون على وجه الخصوص، يعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر، ويعتمدون بشكل كامل تقريبًا على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. كما أن اللاجئين الفلسطينيين يواجهون وضعًا مشابهًا، حيث يعيشون في مخيمات مكتظة تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية.
العودة الطوعية والتحديات المرتبطة بها
رغم عودة ما يقارب 300 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم بعد تطورات سياسية في سوريا، فإن معظم اللاجئين لا يزالون يرفضون العودة الطوعية بسبب المخاوف الأمنية المستمرة، والخوف من الاعتقال أو التجنيد القسري أو فقدان الممتلكات. تشترط المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن تكون العودة آمنة وكريمة وطوعية، وهو ما لا يتوفر في أغلب المناطق السورية حتى الآن. كما أن لبنان نفسه يعاني من انقسام داخلي حول قضية العودة، حيث تتضارب الآراء بين من يرى ضرورة إعادتهم لأسباب ديموغرافية واقتصادية، ومن يرى ضرورة احترام القوانين الدولية وحقوق الإنسان.
المساعدات الدولية ودورها في دعم اللاجئين
أعلنت المفوضية الأوروبية مؤخرًا عن تقديم مليار يورو للبنان كجزء من خطة دعم للاجئين السوريين وتحسين البنية التحتية المحلية. تشمل هذه الحزمة دعم التعليم، والصحة، والمياه، والطاقة، وتحسين ظروف المعيشة في المجتمعات المضيفة. كما تشمل تمويل برامج أمنية لمراقبة الحدود ومنع التهريب والهجرة غير النظامية. مع ذلك، هناك تخوّف من أن تستخدم هذه المساعدات كورقة ضغط لإبقاء اللاجئين في لبنان بدلاً من تسهيل إعادة توطينهم في دول ثالثة أو دعم العودة الآمنة إلى بلادهم.
التحديات القانونية والاجتماعية التي تواجه اللاجئين
لا يعترف لبنان رسميًا بوضع اللاجئ، لأنه لم يوقّع على اتفاقية جنيف لعام 1951 ولا بروتوكولها لعام 1967، ما يترك اللاجئين في وضع قانوني هش. يعاني معظم اللاجئين من صعوبة في تجديد الإقامات القانونية، ويُمنع الكثير منهم من العمل في قطاعات أساسية، ما يضطرهم إلى العمل بشكل غير قانوني في ظروف استغلالية. على الجانب الاجتماعي، تزايدت في السنوات الأخيرة مشاعر العداء تجاه اللاجئين بسبب الأزمة الاقتصادية، وجرى تحميلهم مسؤولية التدهور الحاصل في الخدمات والبطالة.
التعليم والصحة في بيئات اللجوء
يعاني اللاجئون في لبنان من ضعف شديد في الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية. نسبة كبيرة من الأطفال السوريين والفلسطينيين خارج المدارس، بسبب صعوبات اللغة، أو ارتفاع تكاليف النقل، أو الحاجة للعمل للمساعدة في إعالة الأسرة. أما في المجال الصحي، فالكثير من العائلات اللاجئة لا تستطيع تحمّل تكاليف العلاج، ما يجعلها تعتمد على العيادات المدعومة من المنظمات الإنسانية. الضغط على النظام الصحي في لبنان بات مرهقًا، خاصةً بعد جائحة كورونا والانهيار الاقتصادي.
آفاق المستقبل: نحو حلول مستدامة
لم يعد ممكنًا الاستمرار في إدارة أزمة اللجوء في لبنان كحالة طارئة أو مؤقتة. تتطلب المرحلة القادمة استراتيجية متعددة المستويات تشمل: رفع مستوى الدعم الدولي، تحسين ظروف العيش داخل لبنان، دعم العودة الآمنة للاجئين، وفتح باب إعادة التوطين في دول ثالثة بشكل أوسع. كما أن على الدولة اللبنانية وضع إطار قانوني يعترف بوضع اللاجئين ويوفّر الحماية القانونية لهم، مع العمل في الوقت نفسه على تقوية المجتمعات المحلية لمنع التوترات والانقسامات. اللاجئون في لبنان ليسوا مجرد أرقام، بل هم بشر يملكون قصصًا وتاريخًا وأملًا في مستقبل آمن وكريم.