اللجوء في مالاوي

تُعد قضية اللجوء في جمهورية مالاوي واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في جنوب شرق إفريقيا، حيث تتقاطع فيها الجوانب الإنسانية والسياسية والاقتصادية. ورغم أنها من أفقر دول العالم، فإن مالاوي ما زالت تفتح أبوابها لعشرات الآلاف من اللاجئين الفارين من الحروب والنزاعات والمجاعات في دول الجوار. وهذا الواقع يطرح تساؤلات كثيرة حول قدرة الدولة على التكيف مع الأعداد المتزايدة، والآثار التي يتركها هذا اللجوء على المجتمع والاقتصاد المحلي، بالإضافة إلى مواقف المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية تجاه هذا الوضع المتصاعد.

البيئة القانونية للجوء في مالاوي

يستند النظام القانوني في مالاوي إلى قانون اللاجئين الصادر عام 1989، والذي يضع الأطر العامة لكيفية التعامل مع اللاجئين وطالبي اللجوء. وقد صادقت الدولة على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكولها المعدل لعام 1967، كما اعتمدت اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969 التي تُوسّع نطاق الحماية لتشمل الأفراد الفارين من العنف العام واضطرابات النظام العام. إلا أن تطبيق هذه القوانين يواجه تحديات ميدانية بسبب قلة الموارد وضعف البنية التحتية الإدارية.
تُشرف وزارة الأمن الداخلي على إدارة ملف اللجوء، بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومجموعة من المنظمات الدولية والمحلية. ومع ذلك، لا يزال الوصول إلى العدالة والتمثيل القانوني محدودًا لكثير من اللاجئين، مما يضعف من إمكانية الطعن في القرارات المتعلقة بوضعهم القانوني.

مخيم دزالكا: الواقع والتحديات

يُعتبر مخيم دزالكا أكبر وأهم مخيمات اللاجئين في مالاوي، وقد أُنشئ في تسعينيات القرن الماضي لاستقبال اللاجئين من رواندا والكونغو وبوروندي. مع مرور السنوات، تطور هذا المخيم من مساحة مؤقتة إلى ما يُشبه المدينة المكتظة التي تضم أكثر من خمسين ألف شخص.
يعاني المخيم من اكتظاظ سكاني شديد ونقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الماء الصالح للشرب، والمرافق الصحية، والمدارس. ويعيش معظم سكانه في منازل مؤقتة مصنوعة من الطين أو القماش، ويعتمدون بشكل رئيسي على المساعدات الغذائية من برنامج الأغذية العالمي.
كما أن اللاجئين يُحرمون من حرية التنقل خارج المخيم دون تصاريح رسمية، ما يقيّد فرصهم في العمل أو التعليم خارج نطاق المخيم.

سياسة الاحتجاز والإعادة إلى المخيم

في الآونة الأخيرة، تبنت الحكومة المالاوية سياسة صارمة تُجبر اللاجئين الذين انتقلوا للعيش في المدن على العودة قسرًا إلى مخيم دزالكا. وقد شنت السلطات حملات مداهمة للمناطق الحضرية مثل ليلونغوي وبلانتاير، وقامت باعتقال المئات وإعادتهم إلى المخيم.
تُبرر الحكومة هذه الخطوة بأنها تهدف إلى التنظيم ومنع الإقامة غير الشرعية، لكنها لاقت اعتراضًا واسعًا من قبل منظمات حقوق الإنسان، التي اعتبرت أن هذه السياسة تُجرد اللاجئين من حقهم في حرية التنقل وتُفاقم من معاناتهم.
إحدى الإشكاليات أن العديد من اللاجئين الذين انتقلوا إلى المدن قد أسسوا أعمالًا صغيرة أو التحقوا بالمدارس، وإعادتهم إلى المخيم تعني تدميرًا لحياتهم التي حاولوا بناءها بصعوبة.

تدفق اللاجئين من موزمبيق

في أواخر عام 2024، بدأت موجة جديدة من النزوح إلى مالاوي، وهذه المرة من موزمبيق، عقب أحداث عنف ما بعد الانتخابات. نزح أكثر من 13,000 شخص إلى الحدود الجنوبية لمالاوي، ما شكل عبئًا إضافيًا على موارد البلاد المحدودة.
وقد انتشرت تقارير عن ظروف قاسية للاجئين الجدد، بما في ذلك انعدام المأوى المناسب، وسوء التغذية، ونقص الرعاية الطبية. وتم إنشاء نقاط استقبال مؤقتة على عجل في المناطق الحدودية، لكنها تفتقر إلى المقومات الأساسية.
تحاول السلطات المالاوية، بالتعاون مع المفوضية والمنظمات الدولية، احتواء الوضع، إلا أن نقص التمويل وضعف البنية التحتية يقفان عائقًا أمام الاستجابة الإنسانية الفاعلة.

التحديات الاقتصادية والاجتماعية

تعاني مالاوي من مشاكل اقتصادية هيكلية، تشمل ارتفاع معدلات الفقر، وندرة الوظائف، وانخفاض نصيب الفرد من الدخل. ويؤدي تدفق اللاجئين إلى تفاقم هذه التحديات، خاصة في المناطق القريبة من المخيمات.
كما تُسجل حالات توتر بين المجتمعات المضيفة واللاجئين، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمنافسة على المياه، والأراضي الزراعية، والوظائف اليومية غير الرسمية.
تحتاج الحكومة إلى برامج دعم مزدوجة تستهدف كل من اللاجئين والمجتمعات المستضيفة، لتقليل فرص التصادم، وتعزيز التماسك المجتمعي، لكن هذه البرامج تتطلب تمويلاً خارجيًا غير متوفر بسهولة.

دور المنظمات الدولية والمحلية

تلعب المنظمات الدولية دورًا محوريًا في إدارة ملف اللجوء في مالاوي، حيث تُمثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الجهة الأساسية المعنية بتقديم الدعم والحماية.
يُقدم برنامج الأغذية العالمي مساعدات شهرية منتظمة، لكنه يعاني من نقص في التمويل ما أجبره على تقليص الحصص الغذائية في أوقات عديدة.
كما تُساهم منظمات مثل الصليب الأحمر ومؤسسة Jesuit Refugee Service في تقديم خدمات التعليم، والدعم النفسي، والرعاية الصحية. وعلى المستوى المحلي، هناك منظمات شبابية ومجتمعية تقوم بأدوار داعمة في التوعية وبناء الجسور مع المجتمعات المضيفة.

آفاق المستقبل

رغم التحديات الكبيرة، هناك محاولات لبلورة استراتيجيات أكثر استدامة للتعامل مع أزمة اللجوء في مالاوي. تبرز بعض المبادرات لتطوير سبل العيش المستدامة داخل المخيمات، مثل مشاريع الزراعة المجتمعية والتدريب المهني.
لكن المستقبل يظل مرتبطًا بمدى استعداد المجتمع الدولي لدعم مالاوي بالموارد والخبرات، وضمان عدم تركها وحيدة في مواجهة أزمة إنسانية متنامية.
من الضروري كذلك تعزيز الإطار القانوني لضمان حقوق اللاجئين، وتوسيع فرص دمجهم في المجتمع المالاوي، بما في ذلك فرص التعليم والعمل، مع الحرص على حماية النسيج الاجتماعي والتوازن الاقتصادي الداخلي.