اللغة الرسمية في تنزانيا

تنزانيا هي دولة أفريقية تُعرف بتنوعها الثقافي الكبير وغناها العرقي واللغوي، إذ تضم أكثر من مئة وعشرين مجموعة عرقية تتحدث لغات مختلفة. وعلى الرغم من هذا التنوع الواسع، استطاعت تنزانيا تحقيق تماسك وطني ملحوظ من خلال تبني لغة رسمية موحدة تلعب دورًا محوريًا في الحياة اليومية، والتعليم، والسياسة، والإدارة. تُعتبر تجربة تنزانيا في مجال السياسة اللغوية مثالًا مهمًا على كيفية تسخير اللغة كأداة للوحدة الوطنية والتنمية الشاملة.

تنزانيا: تبني السواحيلية كلغة رسمية

منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1961، اتخذت تنزانيا قرارًا استراتيجيًا باعتماد اللغة السواحيلية كلغة رسمية، وهي لغة أفريقية أصلية تنتمي إلى عائلة البانتو. هذا القرار لم يكن فقط لأسباب تواصلية، بل كان له أبعاد وطنية واجتماعية عميقة. فقد لعبت السواحيلية دورًا حاسمًا في تعزيز الشعور بالهوية الوطنية المشتركة وتجاوز الفوارق القبلية واللغوية. كما أصبحت اللغة السواحيلية لغة الدولة الرسمية ولغة التواصل الإداري والسياسي.

اللغة السواحيلية اليوم ليست فقط أداة تواصل، بل تُعد رمزًا وطنيًا يُعبّر عن السيادة الثقافية لتانزانيا. تُستخدم اللغة في خطابات الرؤساء، وفي المراسلات الحكومية، وفي الإعلام الرسمي، وفي الأنشطة المجتمعية والتعليمية، مما يعزز من حضورها في الحياة العامة والخاصة على حد سواء.

دور اللغة الإنجليزية في تنزانيا

بالرغم من المكانة القوية للسواحيلية، تظل اللغة الإنجليزية حاضرة بقوة في المشهد التنزاني، حيث تُعد اللغة الثانية الرسمية. تم توارث اللغة الإنجليزية من الحقبة الاستعمارية، وتُستخدم حتى اليوم في مجالات رئيسية مثل التعليم العالي، والقانون، والدبلوماسية، والعلاقات الخارجية. وتُدرّس باللغة الإنجليزية المواد في المرحلة الثانوية والجامعية، ما يجعل إتقانها شرطًا أساسيًا للارتقاء الأكاديمي والمهني.

لكن استخدام الإنجليزية يبقى محدودًا نسبيًا بين الفئات الشعبية، ويتركز أساسًا في المناطق الحضرية والطبقات المتعلمة. وهذا ما يدفع البعض إلى المطالبة بمزيد من الاعتماد على السواحيلية في جميع مستويات التعليم، لتحقيق عدالة لغوية أوسع.

التنوع اللغوي في تنزانيا

تضم تنزانيا واحدًا من أعلى مستويات التنوع اللغوي في أفريقيا، حيث تنتشر أكثر من 120 لغة تنتمي إلى عائلات لغوية متعددة مثل البانتو والنيلية والكوشية. هذا التنوع يعكس الخلفية التاريخية الغنية للبلاد والتفاعلات الحضارية عبر القرون بين مختلف الشعوب التي سكنت الإقليم.

هذه اللغات تُستخدم في الأحاديث اليومية، والأغاني الشعبية، والحكايات التراثية، وتمثل ثروة ثقافية لا تقدر بثمن. غير أن أغلب هذه اللغات لا تُستخدم في التعليم أو الإعلام، مما يجعلها عرضة لخطر الاندثار، خاصة مع انتقال الأجيال الشابة لاستخدام السواحيلية والإنجليزية.

اللغة في زنجبار: حالة خاصة داخل تنزانيا

زنجبار، وهي أرخبيل يتمتع بحكم شبه ذاتي ضمن الاتحاد التنزاني، تتمتع بخصوصية لغوية وثقافية فريدة. اللغة السواحيلية تُعد اللغة الرسمية والأكثر استخدامًا في زنجبار، وتُستخدم في التعليم والإدارة والشؤون العامة. لكن المميز في زنجبار هو الحضور القوي للغة العربية، المتجذر منذ قرون بفعل العلاقات التاريخية مع العالم العربي، وخاصة عُمان.

العربية في زنجبار تُستخدم في التعليم الديني، والمساجد، والمعاملات الثقافية والدينية. وتُعد معرفة العربية من العناصر المهمة لدى العديد من سكان الجزيرة، ما يعكس حالة التعايش اللغوي والثقافي بين الأفريقي والعربي في هذا الإقليم.

اللغة والتعليم في تنزانيا

يعتمد نظام التعليم في تنزانيا على نموذج لغوي مزدوج، حيث تُدرّس المواد في المراحل الابتدائية باللغة السواحيلية، في حين يتم التحول إلى اللغة الإنجليزية في المراحل الثانوية والجامعية. هذا النموذج يثير جدلاً واسعًا، إذ يواجه العديد من الطلاب صعوبات عند الانتقال من التعلم بالسواحيلية إلى الإنجليزية، ما يؤثر على أدائهم الدراسي.

الحكومة التنزانية تسعى إلى تقوية اللغة السواحيلية في التعليم من خلال توفير الكتب والمناهج بها، وتدريب المعلمين على استخدامها بشكل فعّال. كما توجد مبادرات لإعادة النظر في جدوى استمرار الإنجليزية كلغة تدريس في المراحل العليا، والتفكير في اعتماد السواحيلية كلغة موحدة للتعليم بأكمله.

اللغة كأداة للوحدة الوطنية في تنزانيا

من أهم ما يُميز التجربة التنزانية هو النجاح في تحويل اللغة السواحيلية إلى أداة فعلية للوحدة الوطنية. فعلى الرغم من التنوع العرقي واللغوي، لم تشهد تنزانيا صراعات إثنية واسعة، وهو ما يُعزى في جزء كبير منه إلى توحيد لغة التواصل الوطني.

السواحيلية تُستخدم كلغة الإعلام الوطني، والخطاب السياسي، والمناسبات العامة، والأناشيد الوطنية، ما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية الجامعة. وقد ساهم هذا الاستخدام المكثف في ترسيخ الانتماء الوطني لدى المواطنين، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الجغرافية.

آفاق مستقبل اللغة الرسمية في تنزانيا

في ظل التحولات التكنولوجية والاجتماعية التي تشهدها تنزانيا، يبرز تساؤل مهم حول مستقبل اللغة السواحيلية ودورها في مواجهة التحديات الجديدة. تسعى الحكومة إلى تعزيز المحتوى الرقمي بالسواحيلية، وتشجيع استخدامها في البرمجة والتطبيقات والمجالات التقنية، لتبقى اللغة حية ومواكبة للعصر.

كما تُبذل جهود لترسيخ مكانة السواحيلية على الصعيد الإقليمي، حيث تُستخدم كلغة عمل في الاتحاد الأفريقي ومجموعة شرق أفريقيا. ويُنظر إلى تنزانيا كدولة رائدة في نشر السواحيلية خارج حدودها، مما يجعل من اللغة الرسمية فيها أداة ليس فقط للوحدة الداخلية، بل للتأثير الدبلوماسي والثقافي الخارجي.