ديانة إسكندر عزيز

وُلد الفنان السوري إسكندر عزيز في 11 يناير 1937 بمدينة القامشلي السورية، التي تُعد من أبرز المدن المختلطة دينيًا وعرقيًا في سوريا. نشأ في كنف عائلة مسيحية من أصول كردية، وقد تأثر بشدة بهذا التنوع الثقافي الذي شكّل ملامح شخصيته وفكره منذ صغره. هذه النشأة المميزة ساهمت في تكوين رؤيته الفنية والاجتماعية، حيث كان يطّلع على أنماط متعددة من الحياة والعادات والتقاليد في مدينته، مما أثّر لاحقًا على اختياراته الفنية والشخصية. منذ نعومة أظافره، أبدى شغفًا كبيرًا بالمسرح والتمثيل، وكان يقضي أوقات فراغه في تأليف مشاهد قصيرة وتمثيلها أمام أصدقائه وجيرانه. أسس وهو في سن العاشرة فرقة مسرحية صغيرة تقدم عروضًا ارتجالية في حيّه، ما جعله موهبة ملفتة للأنظار في محيطه. هذا الحماس المبكر قاده للانتقال إلى دمشق، حيث التحق بالمسرح القومي السوري في الستينيات، ومن هناك بدأت رحلته الحقيقية مع الفن.

المسيرة الفنية المتنوعة لإسكندر عزيز

امتدت المسيرة الفنية لإسكندر عزيز لأكثر من خمسة عقود، تنوع خلالها عطاؤه ما بين المسرح والتلفزيون والسينما. عُرف بأسلوبه التمثيلي العميق والصادق، وبتقديمه أدوارًا تتسم بالبعد الإنساني والاجتماعي. شارك في أعمال مسرحية بارزة مثل “الملك لير” و”ترويض الشرسة”، حيث قدّم أداءً أثار إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء.

في التلفزيون، لمع اسمه من خلال مشاركته في مسلسلات جماهيرية مثل “نهاية رجل شجاع” و”أحلام لا تموت”، حيث قدم أدوارًا مركبة تتطلب فهمًا عميقًا للشخصية. كما كانت له مشاركات سينمائية مؤثرة، منها فيلم “ناجي العلي” الذي تناول قضية فلسطين، و”مطلوب رجل واحد”، ما أتاح له مساحة للتعبير عن مواقفه الفكرية من خلال الفن.

تأثير الديانة المسيحية في حياة إسكندر عزيز الفنية

الديانة المسيحية كانت جزءًا أصيلًا من هوية إسكندر عزيز، وقد حملها معه كعنصر وجدان لا ينفصل عن شخصيته الفنية. لم يكن ملتزمًا فقط بالشعائر، بل كان أيضًا يعبّر عن قيمها في أدواره، مثل التسامح والمحبة والصبر. شارك في مسرحيات تتناول موضوعات مسيحية أو دينية عامة، وأدى أدوارًا تاريخية مرتبطة بالتراث المسيحي، خصوصًا في مسرحيات ذات طابع ملحمي.

رغم انفتاحه على مختلف الأديان والثقافات، إلا أن انتماءه الديني ظل واضحًا في اختياراته وحواراته الصحفية، حيث كان يؤكد دائمًا على أهمية التعددية وقبول الآخر. وكان يحترم كل المعتقدات، ويشدد على أن الفن لا يجب أن ينحاز لدين واحد، بل عليه أن يكون جسرًا للحوار والتفاهم.

الإرث الفني المتجذر في عائلة إسكندر عزيز

لم يكتفِ إسكندر عزيز بترك بصمته في الساحة الفنية فقط، بل نجح في غرس حب الفن في قلوب أفراد عائلته. برز ابنه عزيز إسكندر كممثل موهوب، سار على خطى والده والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وشارك في أعمال درامية ومسرحية أكدت أنه امتداد شرعي لمسيرة والده.

الإرث الذي خلّفه إسكندر لم يكن فقط في عدد الأعمال، بل في القيم التي بثّها من خلال فنه، مثل احترام الإنسان، والانتصار للحق، والدعوة للسلام. أصبح قدوة للعديد من الفنانين الشباب الذين يعتبرونه رمزًا للتمسك بالمبادئ وسط زخم الصناعة الفنية.

مواقف إنسانية بارزة في حياة إسكندر عزيز

عرف عن إسكندر عزيز التزامه الأخلاقي والإنساني العالي داخل الوسط الفني وخارجه. فقد دعم قضايا النازحين واللاجئين السوريين، وكان من أوائل الفنانين الذين قدموا عروضًا مجانية في المخيمات ومراكز الإيواء، إيمانًا منه بدور الفن في تخفيف معاناة الإنسان.

كما شارك في حملات لدعم المصابين في الحروب، ووجّه نداءات متكررة في الإعلام للتمسك بالسلم الأهلي ونبذ الطائفية، مؤكدًا أن رسالة الفنان لا تتوقف عند خشبة المسرح، بل تتعداها لتكون صوتًا للمظلومين والمهمشين.

حضور إسكندر عزيز رغم قلة ظهوره الإعلامي

رغم ابتعاده التدريجي عن الظهور الإعلامي في السنوات الأخيرة، إلا أن اسم إسكندر عزيز ظل حاضرًا في الذاكرة الجمعية للجمهور السوري والعربي. كثيرًا ما يُذكر بإجلال في الحوارات والندوات الثقافية، وتُعرض أعماله باستمرار في المحطات التلفزيونية، تعبيرًا عن وفاء المؤسسات الفنية لهذا الرمز الأصيل.

كما يتم استحضار شخصيته في سياق الحديث عن دور الفن في بناء الهوية الوطنية والحفاظ على النسيج المجتمعي، وهو ما يؤكد أن مكانته لم تكن فقط نابعة من أدائه الفني، بل من شخصيته المتكاملة وأخلاقه العالية.