إريتريا، تلك الدولة الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر، تتميز بثقافة غنية ومتنوعة تتجلى بوضوح في مناسباتها الاجتماعية، وعلى رأسها حفلات الزواج. نظراً لتعدد القوميات التي تقطن البلاد، والتي يبلغ عددها تسع قوميات رسمية، فإن لكل مجموعة عاداتها وتقاليدها الخاصة التي تضفي طابعًا مميزًا على مراسم الزواج. من الجوانب الرمزية إلى الطقوس الاحتفالية، يعكس الزواج في إريتريا اندماج التاريخ، والدين، والهوية القومية في مناسبة واحدة تُعتبر من أهم محطات الحياة لدى الإريتريين.
أقسام المقال
الخطبة: البداية الرسمية للارتباط
يُعد طلب يد العروس من أسرتها خطوة محورية في المجتمع الإريتري، حيث يتقدم كبار عائلة العريس إلى بيت العروس حاملين معهم الهدايا التقليدية من البن، والعسل، والملح، والتي ترمز إلى البركة والرخاء. يُجرى اللقاء الأولي بحضور كبار العائلتين، ويبدأ بتبادل التحايا والدعوات الطيبة، ثم تُطرح شروط الزواج ويُحدد المهر. غالبًا ما يُعتبر المهر مسألة رمزية أكثر منه مادية، ويختلف من قومية لأخرى.
دور الوسطاء الاجتماعيين
تلعب الوساطة الاجتماعية دورًا محوريًا في التمهيد للزواج، وخاصة في المناطق الريفية. يُعرف الوسيط باسم “شماجليه”، وهو شخص يُحظى بالاحترام من الطرفين، ويعمل على تقريب وجهات النظر وضمان رضا العائلتين. يتدخل في كل التفاصيل، من اتفاقات المهر إلى تنسيق مواعيد الزفاف والزيارات بين الأسرتين.
الطقوس التمهيدية للزفاف
قبل حلول يوم الزفاف، تبدأ سلسلة من الطقوس التقليدية. تبدأ التحضيرات قبل أسابيع، وتُقام احتفالات يومية في منزل العروس، يتخللها الرقصات الشعبية والأهازيج النسائية التي تتغنى بجمال العروس وكرم العائلة. كما يتم إعداد كميات كبيرة من الطعام والمشروبات التقليدية مثل “السوى” (شراب مخمر محلي الصنع).
ليلة الحناء وتقاليد الجمال
ليلة الحناء تُعد من الطقوس الأساسية في معظم القوميات الإريترية، حيث تجتمع النساء لتزيين أيدي وأرجل العروس بنقوش الحناء، ويصاحبها أغانٍ مخصصة للعروس. كما تهتم العائلة باستخدام مستحضرات تقليدية كالصندل والعطور الطبيعية. وقد تُعطى العروس خلال هذه الليلة نصائح من الجدات والنساء الأكبر سنًا حول الحياة الزوجية.
الملابس التقليدية والزينة القومية
من أبرز ملامح الزفاف الإريتري الأزياء المميزة التي ترتديها العروس والعريس، والتي تختلف بحسب القومية. فمثلاً، ترتدي النساء في قومية التيغراي فساتين بيضاء مطرزة، بينما تظهر نساء قبيلة الساهو بأثواب ملونة بألوان زاهية. أما المجوهرات، فهي عادةً مصنوعة يدويًا من الفضة، وتحمل نقوشًا تقليدية تعود لمئات السنين.
طقوس يوم الزفاف
في صباح يوم الزفاف، تُزين البيوت بالأقمشة والمصابيح الزيتية، ويُقرع الطبل إيذانًا ببدء الاحتفال. تُزف العروس وسط موكب من النساء، بينما يستقبل العريس الضيوف بالترحاب والأهازيج. يتبادل العروسان أكوابًا من القهوة التقليدية كرمز للقبول والوفاق، ثم يبدأ الضيوف في تناول وجبات الزفاف التقليدية.
الموسيقى والرقص الشعبي
لا تكتمل حفلات الزفاف في إريتريا دون الموسيقى الحية. تُعزف آلات تقليدية مثل “الكرا” و”الوات”، وتُؤدى رقصات جماعية تشارك فيها النساء والرجال على حد سواء. لكل قومية رقصتها الخاصة، ومن أشهرها رقصة “التيغراي” ذات الخطوات المنتظمة والوقفات الرمزية التي تعبر عن الفخر.
تقاليد ما بعد الزواج
بعد انتهاء مراسم الزواج، هناك عادات تُنفذ خلال الأيام التالية. فمثلاً، في بعض القرى تعود العروس إلى بيت أهلها بعد ثلاثة أيام، ويُقام لها استقبال جديد. كما يقدم العريس هدايا إضافية لعائلة العروس في أول زيارة بعد الزواج، وتُعتبر علامة تقدير وشكر.
تأثير الدين والمعتقدات على الزواج
تلعب الديانات الرئيسية في إريتريا—الإسلام والمسيحية الأرثوذكسية—دورًا كبيرًا في تنظيم مراسم الزواج. فالزواج المسيحي يُعقد غالبًا في الكنيسة، بينما يُعقد الزواج الإسلامي في المسجد أو بحضور شيخ ديني. كما تراعي الأسر الجوانب الشرعية في شروط الزواج وتوثيقه.
الزواج في المهجر بين التقليد والحداثة
نظرًا لهجرة عدد كبير من الإريتريين إلى الخارج، خاصة إلى أوروبا والولايات المتحدة، بدأت تظهر أنماط جديدة من الزواج تجمع بين التقاليد الأصيلة والمظاهر الحديثة. يتمسك كثير من المغتربين بطقوس الزواج التقليدية، ولكن مع لمسات عصرية كاستخدام القاعات الفاخرة وموسيقى الدي جي.
خاتمة
إن عادات الزواج في إريتريا تمثل مرآة حقيقية لتركيبة المجتمع الثقافية والدينية. ورغم التحولات التي يشهدها العالم الحديث، لا تزال هذه العادات صامدة، تُورّث من جيل إلى آخر، وتحمل في طياتها معاني الانتماء والهوية والتماسك الاجتماعي. إنها ليست مجرد طقوس، بل قصة مجتمع يحتفل بالحياة والوحدة والمحبة.