يُجسد الزواج في لبنان أكثر من مجرد ارتباط رسمي بين شخصين، فهو احتفال اجتماعي عميق الجذور يمتد إلى طيات التاريخ والثقافة اللبنانية الغنية. تتميز طقوس الزواج في لبنان بتنوعها الكبير بين المناطق والطوائف، إذ يعكس كل حفل زفاف جانبًا من الهوية اللبنانية المتعددة الأوجه. ما بين الطقوس المسيحية والإسلامية، والعادات القروية والمدنية، يمتزج التقليدي بالحديث ليُكوِّن مزيجًا فريدًا لا مثيل له. هذا المقال يستعرض بالتفصيل أبرز عادات الزواج في لبنان، بدءًا من الخطوبة، مرورًا بالاحتفالات والرموز، وحتى ما بعد ليلة العمر.
أقسام المقال
الخطوبة في لبنان: بداية الرحلة الزوجية
تُعد الخطوبة خطوة أساسية ومهيبة في مسار الزواج اللبناني. غالبًا ما تتم بعد تعارف تقليدي أو حديث، وتبدأ بزيارة أهل العريس إلى منزل العروس فيما يُعرف بـ”طلبة يد العروس”. تُحضّر العائلة الضيافة بعناية، وتُعرض الهدايا التي غالبًا ما تشمل الذهب، العطور، وحلويات شرقية مثل الملبس والمعمول. في بعض المناطق الريفية، يُطلب موافقة الأهل بشكل صريح أمام جمع من الأقارب، وهو طقس يعزز من طابع الاحترام والجدية. وقد أصبحت حفلات الخطوبة في المدن أكثر عصرية، تُقام في مطاعم أو صالات، وتتخللها عروض موسيقية وتصوير محترف.
التحضيرات قبل الزفاف: التقاليد والطقوس
قبل يوم الزفاف، تبدأ سلسلة من التحضيرات التي لا تقل أهمية عن يوم العرس ذاته. تبدأ العروس بجلسات العناية بالبشرة والجسم، بينما ينشغل العريس بتجهيز بدلة الزفاف والتنسيق مع منسق الحفل. من أبرز التقاليد التي لا تزال قائمة هي ليلة الحناء، والتي تُعتبر احتفالًا نسائيًا مخصصًا للعروس وصديقاتها، حيث توضع الحناء على يدي العروس وسط أجواء من الرقص والأغاني الشعبية. كما يُنظم ما يُعرف بـ”السهرة الشبابية” للعريس والتي تكون حفلة وداع للعزوبية، تجمع الأصدقاء وتُطغى عليها أجواء المزاح والفرح.
يوم الزفاف: احتفال بالحب والفرح
يوم الزفاف في لبنان ليس مجرد حدث بل هو عرض كامل يُظهر الفرح والفخر العائلي. يبدأ اليوم بتحضيرات في منزل العروس حيث تُرتب الزفة التقليدية. في بعض المناطق، يرافق الزفة آلات موسيقية كالدربكة واليرغول، إضافة إلى الرقصات التقليدية والدبكة اللبنانية. يُستقبل العريس في بيت العروس وسط زغاريد النساء، ويُجرى طقس “كسر الحواجز”، مثل كسر طبق خزفي لإبعاد العين، أو إعطاء العروس طفلًا صغيرًا رمزًا للخصوبة. بعد وصول العروسين إلى صالة الزفاف، يُستقبلان برقصة أولى وسط التصفيق والنثرات الورقية. ويُختتم اليوم بكعكة الزفاف الضخمة التي تُقطع بالسيف وسط احتفال صاخب.
الزغاريد والأهازيج: تعبير عن الفرح
تلعب الزغاريد دورًا رئيسيًا في أي عرس لبناني، وهي وسيلة تعبير عن الفرح تستخدمها النساء خلال الزفة أو عند رؤية العروس. تختلف أنواع الزغاريد حسب المنطقة، وتُعتبر مهارة تُتقنها النساء الكبيرات في السن. إلى جانب الزغاريد، هناك الأهازيج الشعبية مثل “طلّت العروس عالباب” أو “يا زينها ويا زين اللي جابوها”، والتي تُغنّى جماعيًا وتشعل أجواء الحفل. كما أن الدبكة اللبنانية تُرافق غالبًا هذه الأهازيج، ويُشارك فيها الجميع، من الكبار إلى الصغار، بما يعكس الروح الجماعية للفرح.
الطقوس بعد الزفاف: تقاليد مستمرة
لا تنتهي طقوس الزواج في لبنان بانتهاء الحفل، بل تستمر في الأيام التالية. من التقاليد الشائعة أن يستقبل العروسان الزوار في منزلهما الجديد لتناول القهوة وتلقي التهاني. في بعض القرى، يُنثر القمح أو الأرز على العروسين عند دخول منزل الزوجية، كرمز للخصب والرزق. وتُقدم بعض العائلات طعامًا خاصًا في اليوم التالي للزفاف مثل المنسف أو المجدرة للضيوف. كما يحرص العروسان على إرسال كروت شكر مخصصة تعبيرًا عن الامتنان لكل من شاركهما فرحة الزفاف.
التحولات الحديثة في عادات الزواج اللبنانية
رغم تمسك اللبنانيين بتقاليدهم، إلا أن الحداثة تركت بصمتها على حفلات الزفاف. فقد أصبحت الأعراس اليوم مليئة بالتقنيات الحديثة مثل عروض الإضاءة، طائرات الدرون لتصوير الفيديو، ومنصات موسيقية احترافية. كما ظهر نوع جديد من حفلات الزفاف يُعرف بـ”الوجهة السياحية” حيث يُقام الحفل في موقع طبيعي كالجبل أو الشاطئ. إلا أن الكثير من هذه الأعراس الحديثة لا تزال تحافظ على روح العادات، فتبدأ بزفة تقليدية وتنتهي بدبكة على أنغام الأغاني اللبنانية التراثية. وهذا المزج بين التراث والحداثة هو ما يمنح حفلات الزفاف اللبنانية سحرها الفريد.
تأثير التنوع الطائفي والمناطقي في لبنان على الزواج
لبنان بلد متعدد الطوائف والمذاهب، وهذا التنوع ينعكس بوضوح في طقوس الزواج. ففي الطقوس المسيحية، نجد مراسم دينية تُقام داخل الكنيسة، تتخللها قراءات من الكتاب المقدس وصلوات مباركة. أما في الطقوس الإسلامية، فيُعقد القران على يد شيخ أو مأذون بحضور الشهود، ويتبع غالبًا بخطبة دينية. في الجنوب والشمال والبقاع، تختلف الأعراف بين قرية وأخرى، لكن جميعها تشترك في تقديس المناسبة واعتبارها محطة مفصلية في حياة العائلة. بعض العائلات تفضل إقامة أعراس مختلطة بين العادات الدينية والاجتماعية، بما يعكس روح التفاهم والتعايش اللبناني.