تُعد إريتريا واحدة من الدول التي تتميز بتركيبة سكانية معقدة ومتنوعة، ليس فقط على الصعيد العرقي واللغوي، وإنما أيضًا من حيث التوزيع الديني. وتحتل الديانة الإسلامية مكانة محورية في هذا المشهد المتنوع، حيث يعيش في إريتريا ملايين المسلمين الذين يشكلون ركيزة أساسية من نسيج المجتمع. وعلى الرغم من التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، فإن الوجود الإسلامي فيها يعود إلى فجر الإسلام نفسه، عندما كانت إريتريا معبرًا مبكرًا للمسلمين نحو الهجرة الأولى. في هذا المقال، نستعرض بالأرقام والتفاصيل الخلفية السكانية والدينية للمسلمين في إريتريا، ونتناول توزيعهم الجغرافي، وتأثيرهم الثقافي والاجتماعي، وأبرز التحديات التي تواجههم في الوقت الراهن.
أقسام المقال
التقديرات السكانية للمسلمين في إريتريا
تشير التقديرات المحدثة حتى عام 2025 إلى أن نسبة المسلمين في إريتريا تتراوح بين 45% و50% من إجمالي عدد السكان، الذي يقدر بحوالي 6 ملايين نسمة. وبذلك يمكن القول إن عدد المسلمين يتراوح بين 2.7 إلى 3 ملايين شخص. هذا التفاوت في الأرقام ناتج عن غياب التعدادات الرسمية الدقيقة منذ عقود، خاصة مع سياسات الدولة التي لا تشجع على الإفصاح التفصيلي عن المعتقدات الدينية للمواطنين.
الخريطة العرقية والدينية للمسلمين في إريتريا
ينتمي المسلمون في إريتريا إلى عدة مجموعات عرقية، ويشكلون غالبية داخل تلك المكونات. ومن أبرز هذه المجموعات:
- العفر: وهم من أقدم السكان في إريتريا، يتحدثون لغة العفر، ويقطنون في الجنوب الشرقي للبلاد على الحدود مع جيبوتي وإثيوبيا، ويدين معظمهم بالإسلام.
- الساهو: يعيشون في المناطق الجبلية شرق البلاد، ولغتهم تُعرف بالساهوية، ويدينون بالإسلام، ويشتهرون بالحفاظ على التقاليد الدينية الصارمة.
- التغرية: وهي مجموعة كبيرة منتشرة في مناطق المرتفعات الشمالية، ولها حضور قوي في الحياة الاقتصادية والثقافية، وينتمي معظمهم للإسلام السني.
- الراشايدة: وهي مجموعة بدوية عربية تنحدر من الجزيرة العربية، حافظت على لهجتها العربية ولهويتها الإسلامية التقليدية.
وتُظهر هذه الخريطة العرقية مدى ترابط الإسلام مع البنية الاجتماعية في إريتريا، بحيث لا يُعد مجرد ديانة، بل جزءًا من الهوية الثقافية لكل مجموعة.
الانتشار الجغرافي للمسلمين
يتوزع المسلمون في إريتريا بشكل غير متساوٍ على مختلف مناطق البلاد. وتتركز الكثافة السكانية للمسلمين في:
- الساحل الشرقي: وتضم مدنًا مثل مصوع وزولا، وهي مناطق ذات طابع تاريخي إسلامي وتجاري بحري.
- الشمال الغربي: ويشمل مناطق مثل كرن وتسني وبارنتو، وهي مناطق زراعية بها غالبية مسلمة.
- الجنوب الشرقي: خاصة مناطق العفر المتاخمة لجيبوتي، وهي ذات طابع قبلي تقليدي.
ويرتبط التوزيع الجغرافي للمسلمين غالبًا بالطرق القديمة للتجارة والهجرة، حيث كانت الموانئ الإريترية نقطة عبور هامة بين الجزيرة العربية والقرن الإفريقي.
تاريخ دخول الإسلام إلى إريتريا
يُعد الإسلام من أوائل الديانات التي دخلت إريتريا، وذلك مع الهجرة الأولى للمسلمين من مكة إلى الحبشة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فقد عبر المسلمون البحر الأحمر إلى ميناء مصوع الحالي، حيث استقبلهم النجاشي ملك الحبشة. ومنذ ذلك الحين، بدأت الدعوة تنتشر في المناطق الساحلية أولاً، ثم إلى داخل البلاد عبر القوافل التجارية والدعاة.
وشهدت المناطق الشرقية لإريتريا إنشاء أولى المساجد والمراكز الإسلامية، وتطورت الحياة الدينية فيها على مر العصور، حتى أصبحت بعض المدن مثل “كرن” و”مصوع” مراكز دينية وثقافية مهمة في المنطقة.
أثر المسلمين في الحياة الثقافية والاجتماعية
لا يمكن الحديث عن إريتريا دون الإشارة إلى الأثر الكبير للمجتمع المسلم في تشكيل ثقافتها. فالمسلمون ساهموا في نشر اللغة العربية، التي تُعد من اللغات الرسمية في البلاد، كما أثروا في الأدب الإريتري والموسيقى الشعبية والمطبخ المحلي. وتبرز الأعياد الإسلامية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى كمناسبات اجتماعية كبرى تُظهر التلاحم بين مكونات المجتمع.
المؤسسات الدينية والتعليمية الإسلامية
رغم التضييق الحكومي، لا تزال هناك بعض المؤسسات التعليمية الدينية التي تُدرِّس القرآن الكريم والفقه الإسلامي، خصوصًا في المساجد والمدارس القرآنية الأهلية. وتلعب هذه المؤسسات دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية الإسلامية، خاصة في ظل ندرة الموارد التعليمية الرسمية باللغة العربية.
القيود والتحديات التي يواجهها المسلمون
تواجه الطائفة المسلمة في إريتريا تحديات كبيرة تتعلق بحرية الدين والتعليم والمشاركة السياسية. ومن أبرز هذه التحديات:
- القيود على بناء المساجد أو ترميمها دون إذن رسمي مسبق.
- منع إقامة أنشطة دينية جماعية خارج الإطار الحكومي المعترف به.
- غياب تمثيل سياسي عادل يعكس حجم المسلمين الحقيقي في المجتمع.
- الرقابة الأمنية على أئمة المساجد والدعاة.
وتؤدي هذه التحديات إلى تآكل بعض مقومات الهوية الإسلامية، خصوصًا في أوساط الشباب الذين يعانون من ضعف الموارد الدينية والتعليمية.
الآفاق المستقبلية للمسلمين في إريتريا
رغم التحديات، إلا أن المسلمين في إريتريا يواصلون الحفاظ على تراثهم الديني والثقافي، ويظهر ذلك من خلال تمسكهم بلغاتهم المحلية، وممارسة شعائرهم، وإقامة مناسباتهم الدينية. كما أن وجود جاليات إريترية مسلمة قوية في الخارج يدعم جهود الداخل عبر التعليم والدعم الإنساني والمطالبة بالحقوق.
خاتمة
إن المسلمين في إريتريا ليسوا مجرد أقلية دينية، بل هم جزء أصيل من التاريخ الإريتري وجغرافيته وبنيته الثقافية والاجتماعية. وبينما يواجهون صعوبات سياسية واقتصادية، فإنهم يواصلون التأقلم مع الواقع والتمسك بجذورهم، مما يمنحهم دورًا محوريًا في حاضر البلاد ومستقبلها. ويظل الأمل معقودًا على تحقيق المزيد من الحرية الدينية والتعددية السياسية، بما يعكس حقيقة التنوع الذي تزخر به هذه الدولة الأفريقية الفريدة.