عدد المسلمين في إسواتيني 

إسواتيني، الدولة الصغيرة الواقعة في قلب جنوب القارة الإفريقية، تحمل في طياتها تنوعًا دينيًا وثقافيًا غنيًا، يعكس تاريخها وعلاقاتها بجيرانها ودول العالم. فعلى الرغم من هيمنة المسيحية على الحياة الدينية في البلاد، فإن للإسلام وجودًا ثابتًا ومؤثرًا، ولو بنسبة صغيرة. المقال التالي يُلقي الضوء على عدد المسلمين في إسواتيني، وأصول وجودهم، وأبرز التحديات التي يواجهونها، وأدوارهم في بناء المجتمع.

التركيبة الدينية في إسواتيني

تمتاز إسواتيني بتركيبة دينية يغلب عليها الطابع المسيحي، حيث يُشكل المسيحيون قرابة 90% من السكان. تنتشر الكنائس الزايونية والكنائس البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكية في مختلف أنحاء البلاد، وتلعب دورًا محوريًا في الحياة اليومية والاجتماعية. بجانب هذا الوجود القوي للمسيحية، توجد أقليات دينية تمارس شعائرها بحرية نسبية، من بينها المسلمون، والهندوس، وأتباع الديانات التقليدية الأفريقية، إضافة إلى البهائيين وعدد محدود من أتباع ديانات شرقية أخرى.

عدد المسلمين في إسواتيني

لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة تصدر بشكل دوري حول عدد المسلمين في إسواتيني، لكن معظم التقديرات تشير إلى أن نسبتهم تتراوح بين 1% إلى 2% من إجمالي السكان. ووفقًا لهذه التقديرات، فإن عدد المسلمين في البلاد يُقدّر بما بين 12,000 إلى 24,000 نسمة من إجمالي عدد سكان يقارب 1.2 مليون نسمة. وتُتركز التجمعات المسلمة بشكل خاص في المناطق الحضرية مثل مباباني ومانزيني، حيث تتوفر فيها فرص العمل والتعليم والمراكز الدينية.

تاريخ الإسلام في إسواتيني

دخل الإسلام إلى إسواتيني عبر مسارات غير مباشرة، أبرزها الهجرات الداخلية من دول أفريقية أخرى مثل ملاوي وموزمبيق، بالإضافة إلى تواصل التجار والمهاجرين المسلمين القادمين من آسيا. في الستينيات، شهدت إسواتيني تدفقًا لعمال مسلمين من ملاوي للعمل في مناجم الأسبستوس، وهو ما أدى إلى تشكل مجتمعات مسلمة صغيرة مستقرة. حصل الإسلام على الاعتراف الرسمي من قبل الدولة في عام 1972، عندما منح الملك سوبهوزا الثاني الاعتراف الكامل للمسلمين، مما فتح الباب أمام بناء المساجد وتسجيل الجمعيات الإسلامية.

المجتمع الإسلامي في إسواتيني

يتألف المجتمع الإسلامي في إسواتيني من مجموعات متعددة الخلفيات العرقية واللغوية. هناك مسلمون محليون اعتنقوا الإسلام، وآخرون من أصول آسيوية (خصوصًا هنود وباكستانيين)، بالإضافة إلى مسلمين من ملاوي وتنزانيا وموزمبيق استقروا في البلاد. ويعيش هؤلاء في انسجام داخل مجتمع متنوع، ويتمتعون بعلاقات طيبة مع باقي مكونات الشعب الإسواتيني. يعتنق غالبية المسلمين المذهب السني، وتحديدًا الشافعي والحنفي، مع وجود أقلية من المسلمين الأحمديين والشيعة.

المساجد والمراكز الإسلامية في إسواتيني

تضم إسواتيني عددًا من المساجد في المدن الكبرى، منها مسجد إزولويني الذي يُعد من أبرز المساجد في البلاد ويستوعب المئات من المصلين. كما توجد مساجد في مانزيني ومباباني ومدن أخرى صغيرة. بعض هذه المساجد تحتوي على مراكز إسلامية تُقدم خدمات تعليمية ودينية، مثل دروس القرآن الكريم، وتعليم اللغة العربية، وتنظيم الأنشطة الاجتماعية في رمضان والأعياد. وتُعد هذه المراكز محورية في الحفاظ على هوية الجالية المسلمة وتعزيز روابطها.

التحديات التي تواجه المسلمين في إسواتيني

رغم الاعتراف بالإسلام كديانة، إلا أن بعض القوانين المدنية لا تزال تُشكّل عائقًا أمام المسلمين، لا سيما في ما يخص عقود الزواج الإسلامي، إذ لا تُعترف عقود الزواج الشرعي بشكل رسمي ضمن قانون الزواج المدني لعام 1964. كما يواجه المسلمون صعوبات في توسيع نشاطاتهم الدعوية والتعليمية بسبب نقص الدعم والتمويل. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى المزيد من المؤسسات التعليمية الإسلامية، حيث يضطر العديد من أولياء الأمور لإرسال أبنائهم إلى مدارس لا تُراعي الخلفية الدينية الإسلامية.

دور المسلمين في المجتمع الإسواتيني

يُساهم المسلمون في إسواتيني بشكل فعّال في الحياة الاقتصادية، خصوصًا في مجالات التجارة والاستيراد والخدمات، ويُعرف عنهم الالتزام والانضباط في العمل. كما يشارك المسلمون في الأعمال الخيرية والإغاثية، وينظمون حملات توزيع الطعام والملابس في الأعياد والمناسبات. ويُشارك بعض القادة المسلمين في الفعاليات الوطنية والدينية العامة، مثل الدعاء للملك في الاحتفالات الرسمية، ما يعكس قبولًا مجتمعيًا واحترامًا متبادلاً.

التعليم الإسلامي والنشء الجديد

أحد أبرز التحديات التي يواجهها المسلمون في إسواتيني هو توفير التعليم الديني للأطفال والشباب. هناك عدد محدود من المدارس الإسلامية، وغالبًا ما تعتمد على جهود فردية وتمويل خارجي. ومع ذلك، هناك محاولات حثيثة لإنشاء مناهج تجمع بين التعليم الأكاديمي والتعليم الإسلامي، بهدف تربية جيل مسلم متعلم ومرتبط بجذوره الدينية. كما يُساهم المعلمون في تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم في المساجد خلال عطلات نهاية الأسبوع.

الخلاصة

رغم أن عدد المسلمين في إسواتيني لا يزال محدودًا نسبيًا، إلا أن وجودهم يحمل أهمية خاصة ضمن السياق الديني والثقافي المتنوع في البلاد. يُمثلون نموذجًا للتعايش السلمي والمشاركة المجتمعية، ويواجهون تحدياتهم بإصرار من أجل الحفاظ على هويتهم وتعزيز دورهم في المجتمع. ويبدو أن مستقبل المسلمين في إسواتيني واعد، خاصة مع الجهود المتزايدة لتوسيع نطاق التعليم والخدمات الإسلامية، والانفتاح الاجتماعي والديني الذي تتمتع به البلاد.