تُعد المملكة العربية السعودية من أكثر الدول تأثيرًا في العالم الإسلامي، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي الذي يحتضن أقدس بقاع الأرض عند المسلمين، بل أيضًا بسبب تركيبتها السكانية التي يشكل فيها المسلمون النسبة الساحقة. تلعب السعودية دورًا جوهريًا في توجيه الرأي الديني والسياسي في العديد من القضايا الإسلامية، وتُعد مركزًا أساسيًا للفتاوى والحج والعمرة والتعليم الديني. في هذا المقال، نتناول بدقة الأرقام المحدثة لعدد المسلمين داخل السعودية، ونرصد السياق الديموغرافي والديني والسياسي لهذه الأرقام، مع تحليل واقعي لمكانة المسلمين في المجتمع السعودي.
أقسام المقال
السكان المسلمون في السعودية
بحسب أحدث التقديرات السكانية لعام 2025، فإن عدد سكان المملكة العربية السعودية يتجاوز 35 مليون نسمة. ويتوزع هذا العدد بين نحو 19.6 مليون مواطن سعودي، وحوالي 15.7 مليون وافد أجنبي مقيم. من بين المواطنين، يعتنق الإسلام نسبة تقارب 100%، بينما يُقدَّر أن نحو 75% إلى 80% من الوافدين هم من المسلمين. وبناءً على هذه المعطيات، فإن العدد الإجمالي للمسلمين في السعودية يتراوح بين 31.4 و31.9 مليون مسلم، أي ما يمثل حوالي 89% إلى 90% من إجمالي السكان. وتُظهر هذه الأرقام مدى الهيمنة الدينية الإسلامية على البنية السكانية، سواء على مستوى المواطنين أو المقيمين.
التركيبة الدينية للمواطنين السعوديين
يُعتبر جميع المواطنين السعوديين من المسلمين بحكم القوانين المنظمة للجنسية السعودية، إذ لا يُمنح التجنيس في الغالب إلا لمن يعتنق الإسلام. معظم المواطنين يتبعون المذهب السني، وتحديدًا الحنبلي، الذي يمثل القاعدة الفقهية للتشريعات الدينية في البلاد. كما توجد أقلية من المسلمين الشيعة، تتركز في المناطق الشرقية مثل القطيف والأحساء، وتُقدَّر نسبتهم بين 10% و15% من المواطنين. وبرغم أن هؤلاء الشيعة يتمتعون بحقوق المواطنة، إلا أن هناك بعض التحديات الاجتماعية والسياسية التي تواجههم، منها التمثيل المحدود في بعض المؤسسات العامة.
المقيمون الأجانب والتنوع الديني
يُقدَّر عدد المقيمين الأجانب في السعودية بأكثر من 15.7 مليون نسمة، وهم ينتمون إلى ثقافات وديانات متعددة. المسلمون منهم يُمثلون الغالبية، خاصة من الدول الإسلامية مثل مصر، وبنغلاديش، وباكستان، واليمن، والسودان. ويشغل هؤلاء المقيمون مناصب في مجالات متعددة، منها البناء، والصحة، والتعليم، والخدمات. أما غير المسلمين من المقيمين، فيتوزعون بين المسيحية والهندوسية والبوذية والديانات الشعبية، لكن لا يُسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بشكل علني. وتفرض السلطات السعودية قوانين صارمة تجرم التبشير أو إقامة شعائر غير إسلامية علنًا، مما يجعل المملكة بيئة محافظة دينيًا.
أهمية السعودية في العالم الإسلامي
تلعب المملكة العربية السعودية دورًا محوريًا في العالم الإسلامي، إذ تُعد مرجعًا دينيًا هامًا لكثير من المسلمين حول العالم. فهي موطن الحرمين الشريفين، قبلة المسلمين، وتستقبل سنويًا ملايين الزوار لأداء مناسك الحج والعمرة. كما تحتضن عددًا من المؤسسات الدينية الكبرى مثل هيئة كبار العلماء، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والجامعات الإسلامية مثل الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. هذا الدور يُضفي على السعودية مسؤوليات دينية تتعدى حدودها الجغرافية، وتؤثر على الفتاوى والقرارات الدينية في البلدان الإسلامية الأخرى.
التحديات المستقبلية والتنوع الديني
مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المملكة في إطار رؤية السعودية 2030، تبرز تحديات تتعلق بكيفية التعامل مع التنوع الديني والعرقي والثقافي. فبينما تسعى الدولة إلى الانفتاح الثقافي وتحقيق الإصلاحات الاقتصادية، تبقى الحاجة إلى تهيئة بيئة أكثر تسامحًا تجاه الوافدين غير المسلمين ضرورية. كما تواجه السلطات تحديًا في تحقيق التوازن بين الانفتاح والتنمية من جهة، والحفاظ على الهوية الإسلامية من جهة أخرى، وهي مسألة تطرح نقاشًا مجتمعيًا واسعًا في الداخل السعودي.
الدور الديني للمؤسسات الرسمية
تلعب المؤسسات الرسمية السعودية دورًا مركزيًا في تنظيم الحياة الدينية للمواطنين والمقيمين على حد سواء. وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد مسؤولة عن الإشراف على المساجد والدروس الدينية، بينما تتولى هيئة كبار العلماء إصدار الفتاوى والآراء الشرعية في القضايا العامة. كما تُقدم الدولة دعمًا واسعًا للمراكز الإسلامية حول العالم، وتُموّل طباعة ملايين النسخ من المصحف الشريف وتوزيعها مجانًا، بما يُعزز من مكانة السعودية كمرجعية دينية عالمية.
أثر الحج والعمرة على الهوية الإسلامية
إضافة إلى كون السعودية موطنًا لغالبية المسلمين، فإن احتضانها لمواسم الحج والعمرة يُعزز من شعورها بالقيادة الروحية للعالم الإسلامي. يتوافد سنويًا أكثر من 2 مليون حاج في موسم الحج، وقرابة 10 ملايين معتمر خلال باقي العام، ما يجعل السعودية في تواصل دائم مع المسلمين من مختلف الجنسيات والثقافات. ويُسهم هذا التفاعل المستمر في ترسيخ الروابط الدينية العالمية التي تتمحور حول السعودية كمركز إسلامي.