تُعتبر تونس من الدول التي تتميز بتركيبتها الديموغرافية والدينية المتجانسة، حيث يشكل المسلمون النسبة الكبرى من سكانها بشكل يكاد يكون كاملاً. يُعد الدين الإسلامي في تونس ليس مجرد عقيدة دينية، بل هو أيضًا جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية والثقافية، وقد ساهم هذا الحضور القوي للإسلام في تشكيل معالم المجتمع التونسي عبر قرون من التاريخ. في هذا المقال، نستعرض بالأرقام والتفصيل عدد المسلمين في تونس، ونتناول أبعاد وجودهم في الحياة اليومية والتعليم والدولة، بالإضافة إلى أبرز التحديات والتطورات التي تخص هذا الجانب الحيوي.
أقسام المقال
النسبة العامة للمسلمين في تونس
تشير الإحصائيات الحديثة لعام 2025 إلى أن عدد سكان تونس يُقدّر بحوالي 12.3 مليون نسمة، وتُشير التقديرات إلى أن ما يزيد عن 99% من هؤلاء السكان يعتنقون الدين الإسلامي، أي ما يقارب 12.2 مليون مسلم. هذا التجانس الديني يعكس عمق ارتباط المجتمع التونسي بتقاليده الإسلامية، ويُعزز من مظاهر الوحدة الوطنية رغم اختلاف الانتماءات الجغرافية والثقافية داخل البلاد.
توزيع المسلمين حسب المناطق
يتوزع المسلمون في تونس على كامل التراب الوطني، بدءًا من العاصمة تونس مرورًا بالمدن الساحلية مثل صفاقس وسوسة، ووصولًا إلى المناطق الداخلية كالقيروان وقفصة وسيدي بوزيد. تتمتع معظم هذه المدن بتاريخ إسلامي طويل، وتحتضن مساجد ومدارس عتيقة كانت مراكز للعلم والدين منذ العصور الإسلامية الأولى. القيروان، على سبيل المثال، تُعد من أعرق المدن الإسلامية في شمال أفريقيا، وتُعرف بلقب “رابعة الثلاث” نسبة لمكانتها في التاريخ الإسلامي.
المذهب الديني السائد
ينتمي معظم المسلمين في تونس إلى المذهب المالكي السني، الذي يتميز بمرونته وتسامحه في الفقه والمعاملات. وقد أسهم هذا المذهب في ترسيخ الإسلام المعتدل في المجتمع التونسي، وهو ما انعكس في الحياة السياسية والاجتماعية عبر التاريخ. في جزيرة جربة وبعض المناطق الأخرى، تتواجد أقلية إباضية صغيرة، تُمارس شعائرها بحرية في ظل قوانين تحترم التنوع الديني.
الدستور والدين
ينص الدستور التونسي على أن الإسلام هو دين الدولة، وعلى الرغم من ذلك فإن تونس تضمن حرية الضمير والمعتقد، مما يعكس توجهًا علمانيًا معتدلاً. يُحتفل بالمناسبات الإسلامية مثل رمضان وعيد الأضحى على المستوى الوطني، وتُعطل فيها الإدارات والمدارس، مما يُبرز مكانة الدين في الحياة العامة.
التعليم الديني والمساجد
تحتضن تونس أكثر من 5000 مسجد موزعة على مختلف الولايات، تُعد بمثابة منارات روحية وثقافية. يُدرج التعليم الديني في المدارس ضمن مادة التربية الإسلامية، والتي تُركّز على القيم الأخلاقية والدينية المعتدلة. كما تُشرف وزارة الشؤون الدينية على تنظيم الخطب وتكوين الأئمة، للحفاظ على خطاب ديني متزن ومستنير.
المؤسسات الإسلامية التاريخية
جامعة الزيتونة، التي أُسست في القرن السابع الميلادي، تُعد من أقدم الجامعات الإسلامية في العالم، وقد لعبت دورًا مهمًا في نشر العلم الشرعي في أفريقيا والعالم الإسلامي. لا تزال الجامعة إلى اليوم تخرج فقهاء وعلماء يساهمون في تعزيز الاعتدال والفكر الإسلامي الوسطي.
الحضور الإسلامي في الحياة اليومية
يتجلى الإسلام في تفاصيل الحياة اليومية للتونسيين، بدءًا من تحية السلام، مرورًا بالزيارات العائلية في الأعياد، وانتهاءً بالعادات المرتبطة بالأعراس والمآتم. يُعتبر شهر رمضان من أكثر الفترات التي تتجلى فيها القيم الإسلامية، حيث تُنظم موائد الإفطار الجماعي وتُزكى الأموال وتُكثّف العبادات.
التحديات المعاصرة أمام الإسلام في تونس
من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع التونسي هي محاولات بعض التيارات المتشددة التأثير على الفكر الإسلامي المعتدل، وهو ما دفع السلطات والمجتمع المدني إلى مضاعفة الجهود في ترسيخ خطاب ديني متوازن. كما يُعد تراجع الإقبال على التعليم الديني الكلاسيكي من أبرز الظواهر التي تستدعي البحث عن وسائل جديدة لجذب الأجيال الناشئة نحو فهم الدين بشكل عقلاني.
آفاق المستقبل
تسير تونس نحو تعزيز نموذج إسلامي متوازن يجمع بين الحداثة والهوية الدينية، وهو ما يُمكن ملاحظته في النقاشات الوطنية حول الحريات الفردية وقانون الأحوال الشخصية. من المتوقع أن يستمر حضور الإسلام قويًا في المشهد التونسي، ليس فقط كمعتقد ديني بل كعنصر ثقافي يُسهم في تشكيل الشخصية الوطنية.