زيمبابوي دولة تقع في قلب جنوب القارة الإفريقية، وتتميز بتاريخ طويل من التنوع العرقي والديني، الأمر الذي يجعلها بيئة غنية بالتعدد الثقافي. وبينما تبرز المسيحية كأكثر الديانات انتشارًا، إلا أن الإسلام يبرز كأقلية نشطة تُحافظ على حضورها رغم التحديات. في هذا المقال نستعرض أرقامًا دقيقة، وتحليلًا شاملًا لعدد المسلمين في زيمبابوي، وأصولهم، ومناطق تواجدهم، إلى جانب مساهماتهم في الحياة العامة، والتحديات التي تواجههم، والآفاق المستقبلية لهذه الأقلية المهمة.
أقسام المقال
التوزيع العددي للمسلمين في زيمبابوي
تشير الإحصاءات السكانية لعام 2025 إلى أن عدد سكان زيمبابوي يبلغ حوالي 16.6 مليون نسمة، ومع أن غالبية السكان يعتنقون المسيحية، إلا أن نسبة المسلمين لا تزال واضحة وإن كانت صغيرة. يُقدَّر عدد المسلمين في زيمبابوي بين 120,000 إلى 150,000 نسمة، أي ما يقارب 0.7% إلى 0.9% من إجمالي السكان. ويُلاحظ أن الأرقام قد تكون غير دقيقة نظرًا لعدم وجود تعداد رسمي يعتمد على الانتماء الديني، مما يجعل بعض التقديرات مستندة إلى بيانات الجمعيات والمراكز الإسلامية. كما أن معدل النمو بين المسلمين يشير إلى استقرار نسبي وعدد متزايد من المواليد المسلمين مقارنة بباقي المجموعات.
الأصول العرقية للمسلمين في زيمبابوي
يتنوع المجتمع المسلم في زيمبابوي من حيث الأصول العرقية. تاريخيًا، تعود بدايات انتشار الإسلام في البلاد إلى التجار المسلمين القادمين من الساحل الشرقي لإفريقيا، وخاصة من زنجبار وموقديشو. لاحقًا، استقر عدد كبير من المسلمين الهنود والباكستانيين في البلاد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين خلال فترة الاستعمار البريطاني. كما أن هناك عددًا من المسلمين من أصول أفريقية محلية، إضافة إلى مهاجرين من مالاوي، وتنزانيا، وموزمبيق، الذين شكّلوا مجتمعات صغيرة لكنها نشطة. ويُلاحظ أيضًا وجود عدد قليل من المسلمين البيض والعرب، خاصة من ليبيا والصومال والسودان.
التوزيع الجغرافي للمسلمين في زيمبابوي
يتركز وجود المسلمين بشكل رئيسي في المدن الكبرى، وخاصة العاصمة هراري التي تُعد المركز الرئيسي للمسلمين حيث توجد فيها حوالي 18 مسجدًا ومركزًا إسلاميًا. وتضم مدينة بولاوايو ثاني أكبر تجمع للمسلمين، إذ تحتضن 8 مساجد على الأقل، فضلًا عن مدارس قرآنية ومؤسسات خيرية. كما تنتشر التجمعات المسلمة في كويكوي، وموتاري، وغويرو، بالإضافة إلى وجود ملحوظ في بعض المناطق الريفية خاصة على حدود موزمبيق. ويتميز هذا التوزيع الجغرافي بأنه يرافقه نشاط اقتصادي وتجاري ملحوظ للمسلمين في تلك المناطق.
الحرية الدينية وممارسة الإسلام في زيمبابوي
تُعتبر زيمبابوي من الدول التي تضمن حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية بموجب الدستور. يتمتع المسلمون بكامل حقوقهم الدينية، ويستطيعون بناء المساجد، وإقامة الجمعيات الإسلامية، وتنظيم الفعاليات الدينية كصلاة العيد ورمضان. كما أن الأذان يُرفع في العديد من المساجد في المدن دون قيود حكومية. هناك تعاون متزايد بين المسلمين ومؤسسات الدولة، وخاصة في مجال التعليم والتوعية، كما يُلاحظ احترام رسمي لرمضان والمناسبات الإسلامية من قبل بعض المؤسسات الحكومية والمدنية.
التحديات التي تواجه المسلمين في زيمبابوي
رغم ضمان الحقوق الدينية، يواجه المسلمون في زيمبابوي عدة تحديات أبرزها نقص التمويل الكافي للمؤسسات الإسلامية، خاصة في المناطق الريفية. كما أن هناك حاجة ملحة إلى المزيد من المدارس الإسلامية لتغطية الطلب المتزايد على التعليم الديني، إضافة إلى نقص في عدد الدعاة والمعلمين المؤهلين. يُعاني البعض أيضًا من ضعف في التمثيل الإعلامي، وغياب واضح للمسلمين في الحياة السياسية، مما يؤدي إلى ضعف الصوت الإسلامي في الحوار المجتمعي العام. من التحديات كذلك ضعف البنية التحتية لبعض المساجد، واعتماد المجتمعات على تبرعات خارجية.
دور المسلمين في المجتمع الزيمبابوي
على الرغم من التحديات، إلا أن للمسلمين دورًا إيجابيًا وفعّالًا في المجتمع الزيمبابوي. فهم يُساهمون بشكل واضح في قطاعات التجارة والخدمات والتعليم والصحة. يُدير العديد من المسلمين مشاريع ناجحة تشمل محلات تجارية، وصيدليات، ومدارس خاصة، ومؤسسات صحية، فضلًا عن عملهم في القطاع الزراعي والخيري. كما أن للمجتمع المسلم حضور قوي في الأنشطة الإنسانية مثل تقديم المساعدات للفقراء والأيتام، وتنظيم حملات تطوعية بالتعاون مع منظمات غير حكومية. وهذا يعكس انخراطهم الكامل في النسيج المجتمعي للبلاد.
الآفاق المستقبلية للمجتمع المسلم في زيمبابوي
يبدو المستقبل واعدًا للمجتمع المسلم في زيمبابوي في ظل الاستقرار السياسي المتزايد، وتنامي الوعي الديني بين الشباب، وازدياد اهتمام الجيل الجديد بالتعليم الإسلامي والقرآني. كما يُلاحظ تطور كبير في استخدام التكنولوجيا من قبل المسلمين لنشر التعاليم الإسلامية وتعليم اللغة العربية عبر الإنترنت. هناك مؤشرات على زيادة التفاعل بين المسلمين والديانات الأخرى من خلال أنشطة الحوار الديني. وإذا استمرت الجهود الذاتية للمجتمع في بناء مؤسسات قوية، فقد يشهد المسلمون في زيمبابوي حضورًا أقوى في مجالات السياسة والثقافة والتعليم خلال السنوات المقبلة.
التحول إلى الإسلام في زيمبابوي
من المظاهر اللافتة في السنوات الأخيرة ارتفاع عدد المهتدين الجدد إلى الإسلام، خاصة في المناطق الريفية. ويعود ذلك إلى الجهود الدعوية المتزايدة من قبل الدعاة المحليين والمنظمات الإسلامية، بالإضافة إلى النشاط الخيري الذي يُسهم في تعزيز صورة الإسلام. كثير من هؤلاء المهتدين يأتون من خلفيات مسيحية أو لادينية، ويجدون في الإسلام ملاذًا روحيًا وتعاليم أخلاقية قوية. هذا الاتجاه يُعد مؤشرًا مهمًا على إمكانية نمو المجتمع المسلم ديموغرافيًا في العقود القادمة.