تُعد غانا من أكثر الدول استقرارًا سياسيًا واجتماعيًا في غرب إفريقيا، ما جعلها بيئة خصبة لنمو التعددية الدينية والتعايش السلمي. وتبرز الجالية المسلمة في البلاد كعنصر فاعل ومؤثر في مختلف نواحي الحياة، سواء في المجالات الدينية أو الاقتصادية أو التعليمية. يشكل المسلمون نسبة كبيرة من السكان، ولهم تاريخ طويل وراسخ يمتد لقرون، منذ دخول الإسلام إلى هذه المنطقة عبر طرق التجارة. في هذا المقال، نُلقي نظرة شاملة ومعمقة على أعداد المسلمين في غانا، وتوزيعهم الجغرافي، وخلفياتهم المذهبية، بالإضافة إلى مساهماتهم في النسيج الوطني.
أقسام المقال
النسبة المئوية للمسلمين في غانا
تشير آخر الإحصاءات الرسمية المتاحة حتى عام 2025 إلى أن المسلمين يُشكّلون نحو 19.9% من سكان غانا، وهي نسبة تُعبّر عن عمق حضور هذه الطائفة في البنية السكانية للدولة. وباعتبار أن عدد السكان الإجمالي للبلاد يبلغ قرابة 34.6 مليون نسمة، فإن عدد المسلمين يُقدّر بحوالي 6.9 مليون نسمة، وهو رقم يعكس وجودًا قويًا ومتجذرًا للدين الإسلامي في البلاد. وتُظهر هذه الأرقام اتساقًا نسبيًا مع نتائج التعداد السكاني لعام 2021، ما يدل على استقرار في النسبة على مدار السنوات الماضية.
التوزيع الجغرافي للمسلمين في غانا
يتوزع المسلمون في غانا بشكل غير متساوٍ بين الشمال والجنوب. ففي حين تتركز النسبة الكبرى منهم في الأقاليم الشمالية مثل منطقة الشمال ومنطقة السافانا ومنطقة الشمال الشرقي، فإن هناك أيضًا انتشارًا ملموسًا لهم في المدن الكبرى الجنوبية مثل أكرا وكوماسي نتيجة الهجرة الداخلية من الشمال إلى الجنوب. في مدينة تامالي، على سبيل المثال، يُشكّل المسلمون ما يزيد عن 90% من السكان، بينما تصل نسبتهم في مدينة وا إلى أكثر من 65%. كما توجد أحياء ومساجد ومدارس إسلامية في ضواحي العاصمة أكرا، وتُعد هذه المجتمعات من أكثر التجمعات تماسكًا وتنظيمًا.
الانتماءات المذهبية للمسلمين في غانا
تتنوع الانتماءات المذهبية للمسلمين في غانا، وإن كانت الغالبية العظمى تتبع المذهب السني المالكي. ويُلاحظ كذلك وجود أقليات شيعية، بالإضافة إلى أتباع الجماعة الأحمدية الذين ينتشرون في مناطق متعددة من البلاد. وقد أدى هذا التنوع إلى بروز نمط من التعايش الداخلي داخل الطائفة الإسلامية، حيث يتم احترام الاختلافات المذهبية من دون أن تؤدي إلى صراعات أو نزاعات. هذا الوضع يعكس نضجًا اجتماعيًا وثقافيًا يُحسب للمجتمع الغاني.
المؤسسات الإسلامية في غانا
شهدت غانا على مر العقود تطورًا ملحوظًا في البنية التحتية الدينية والتعليمية للمسلمين. فقد تأسست العديد من الجمعيات الإسلامية والمؤسسات الخيرية، بالإضافة إلى المساجد والمدارس. يُعد المسجد الوطني في أكرا من أبرز المعالم الإسلامية، وهو رمز للوحدة الإسلامية في البلاد. كما تنتشر مراكز تحفيظ القرآن، والمعاهد التي تُدرّس الفقه واللغة العربية في مختلف المناطق، مما يُسهم في رفع مستوى الوعي الديني والثقافي لدى المسلمين.
التعايش الديني في غانا
غانا بلد يُضرب به المثل في التسامح الديني والتعايش السلمي بين أتباع الأديان المختلفة. فالمسلمون والمسيحيون والوثنيون يعيشون جنبًا إلى جنب، ويُشاركون بعضهم في الأعياد والمناسبات الاجتماعية، بل وحتى في بعض الطقوس العائلية مثل الزواج والجنائز. وتُعد المناسبات الدينية مثل عيد الفطر والأضحى، وكذلك عيد الميلاد، فرصة لتقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الغاني بمختلف أطيافهم. كما تشارك القيادات الدينية الإسلامية في الحوارات الوطنية والفعاليات السياسية والثقافية.
دور المسلمين في السياسة والاقتصاد والتعليم
لا يقتصر وجود المسلمين في غانا على المجال الديني فقط، بل يتعداه ليشمل ميادين السياسة والاقتصاد والتعليم. فقد شهدت البلاد بروز شخصيات إسلامية بارزة في مناصب حكومية ومؤسسات تشريعية. كما يُسهم رجال الأعمال المسلمون في تحريك العجلة الاقتصادية من خلال التجارة والصناعات الصغيرة. أما في التعليم، فقد ازداد عدد المدارس الإسلامية الحديثة التي تجمع بين المناهج الدينية والمقررات الحكومية، ما يساعد في دمج أبناء المسلمين في المجتمع العام ويُعزز من فرصهم المستقبلية.
التحديات التي تواجه المسلمين في غانا
رغم النجاحات المتحققة، لا تزال هناك تحديات تواجه المجتمع المسلم في غانا. أبرز هذه التحديات تشمل ضعف البنية التحتية في المناطق الشمالية ذات الغالبية المسلمة، ومحدودية فرص الوصول إلى التعليم العالي، بالإضافة إلى التمثيل السياسي غير المتوازن في بعض الفترات. كما تبرز الحاجة إلى تطوير الإعلام الإسلامي وتوسيع دوره في توعية الشباب وتعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية. هذه التحديات تتطلب استجابة جماعية من المؤسسات الإسلامية والحكومة والمجتمع المدني.
خاتمة
إن المسلمين في غانا يشكلون ركيزة أساسية من ركائز المجتمع الوطني، بما يحملونه من تاريخ طويل، وحضور فعّال، وطموحات نحو مستقبل أفضل. ومع تزايد أعدادهم واستمرار مشاركتهم في بناء الدولة، فإن دورهم سيظل محوريًا في تعزيز التعددية الدينية والهوية الوطنية الجامعة. وإذا ما تم الاستثمار في التعليم والتنمية الاجتماعية، فإن المجتمع المسلم في غانا سيكون قادرًا على مواجهة التحديات وتحقيق المزيد من الاندماج والازدهار.