عدد المسلمين في ليسوتو

تُعد مملكة ليسوتو إحدى الدول الصغيرة والمميزة في القارة الأفريقية، فهي تقع بشكل كامل داخل أراضي دولة جنوب أفريقيا وتتمتع ببيئة جبلية خلابة. وتُعرف ليسوتو بتراثها الثقافي العريق ونظامها الديمقراطي المستقر نسبيًا، إلى جانب تركيبتها السكانية المتنوعة من حيث العرق والدين. وعلى الرغم من أن المسيحية تُشكل الديانة الرسمية والأوسع انتشارًا في البلاد، إلا أن هنالك أقلية مسلمة تحافظ على وجودها ودورها في المجتمع. ويُثير وجود المسلمين في هذا البلد الجبلي تساؤلات حول أعدادهم الحقيقية، وأصولهم، وأشكال نشاطهم، مما يستحق الاستكشاف والتوثيق عن قرب.

التوزيع الديني في ليسوتو

يعكس التوزيع الديني في مملكة ليسوتو تأثرها التاريخي بالبعثات التبشيرية الأوروبية، حيث يعتنق نحو 90% من سكان البلاد الديانة المسيحية، ويتوزعون ما بين الكاثوليك والبروتستانت والإنجيليين، مع هيمنة واضحة للطائفة الكاثوليكية. لكن بجانب هذا الواقع الديني، توجد أقليات دينية صغيرة، تشمل المسلمين، والبهائيين، وأتباع الديانات الهندوسية والبوذية، إلى جانب عدد قليل ممن لا ينتمون لأي دين. هذا التنوع، وإن كان محدود النسبة، يُعدّ مؤشرًا على التعدد والتسامح النسبي في مكونات المجتمع الليسوتي.

عدد المسلمين في ليسوتو

لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة تُوثق عدد المسلمين في ليسوتو، ولكن معظم التقديرات تتراوح ما بين 3,000 و4,000 مسلم، أي ما يعادل نحو 0.15% إلى 0.2% من إجمالي عدد السكان البالغ قرابة 2.3 مليون نسمة. هذا العدد قد يبدو ضئيلاً مقارنةً بالدول المجاورة، لكنه يعكس وجودًا مستمرًا ومؤثرًا في حدود هذا المجتمع الصغير. وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين يُمثلون مجتمعًا متماسكًا، يعمل على تعزيز هويته الثقافية والدينية، رغم محدودية عددهم ومصادرهم.

أصول المسلمين في ليسوتو

يتشكل المجتمع المسلم في ليسوتو من خليط متنوع من الأصول العرقية، أبرزها أصول جنوب آسيوية تعود للهند وباكستان وسريلانكا وبنغلاديش، حيث بدأ بعضهم بالهجرة إلى جنوب القارة الأفريقية خلال العقود الأولى من القرن العشرين، بهدف التجارة والبحث عن فرص اقتصادية جديدة. ومن هناك، تنقل بعضهم إلى ليسوتو، خاصة من مدينة ديربان بجنوب أفريقيا. وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد متزايد من المسلمين المحليين من أبناء ليسوتو الأصليين، الذين إما اعتنقوا الإسلام عبر التواصل مع الجاليات، أو ولدوا في أسر مسلمة ممتدة. هذا التنوع يعكس مدى اندماج الإسلام مع المجتمع المحلي وتفاعله معه.

الطوائف الإسلامية في ليسوتو

يُشكل أهل السنة الجماعة النسبة الغالبة من المسلمين في ليسوتو، حيث يتبع معظمهم المذهب الحنفي، وهو المذهب الشائع بين الجاليات الآسيوية في جنوب القارة. كما توجد أقلية شيعية معتبرة تُقدّر بحوالي 1,500 فرد، بالإضافة إلى عدد من أتباع الجماعة الإسلامية الأحمدية، الذين تُقدّر أعدادهم بنحو 350 شخصًا، بحسب التقديرات المحلية. وبين هذه الطوائف، يسود جو من التسامح والتعايش، حيث يعمل الجميع ضمن بيئة تحترم اختلافاتهم العقائدية، مع تركيز مشترك على دعم الحضور الإسلامي في البلاد.

المؤسسات الإسلامية في ليسوتو

على الرغم من التحديات التي تُواجه الأقلية المسلمة في ليسوتو، فإنها نجحت في بناء عدد من المؤسسات التي تُدير شؤونها الدينية والاجتماعية. تضم العاصمة ماسيرو وبعض المدن الأخرى عددًا من المساجد مثل: مسجد ماركت، مسجد محطة الحافلات، مسجد مركز بايونير، مسجد عثمان في ها-هوهلو، إلى جانب مركز سيكامننغ الإسلامي الذي يُقدم خدمات تعليمية ودعوية. كما تنشط الجمعيات الإسلامية في تنظيم الدروس، وخطب الجمعة، وحملات توزيع الطعام في رمضان، وإقامة الأنشطة الثقافية خلال العيدين.

التعليم الإسلامي في ليسوتو

يهتم المجتمع المسلم في ليسوتو بنقل المعرفة الدينية للأجيال الجديدة، خاصة في ظل ضعف المؤسسات الرسمية المعنية بالتعليم الإسلامي. لذلك، تُنظم الجالية حلقات تعليم القرآن الكريم واللغة العربية، إلى جانب دروس في الفقه والسيرة، في المساجد والمراكز المجتمعية. وتُبذل محاولات لإدخال مناهج دينية ضمن التعليم المنزلي أو بالتعاون مع مدارس خاصة تديرها الجالية، مما يُعزز استمرارية الهوية الإسلامية للأسر المسلمة.

الحرية الدينية والتعايش في ليسوتو

يكفل دستور ليسوتو حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية لجميع المواطنين، دون تمييز أو تقييد، وهو ما يُتيح للمسلمين حرية بناء المساجد وممارسة شعائرهم. وتُعتبر العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في البلاد مستقرة بشكل عام، بل وتتسم بروح التعايش والاحترام المتبادل. لا تُسجل البلاد حالات اضطهاد أو تمييز ديني ممنهج ضد المسلمين، مما يجعلها بيئة آمنة نسبيًا لممارسة الشعائر الإسلامية بحرية، مقارنة ببعض الدول ذات الأغلبية غير المسلمة.

دور المسلمين في الاقتصاد والمجتمع الليسوتي

ساهم المسلمون بشكل ملحوظ في قطاع التجارة والأعمال الصغيرة، لا سيما في المدن الرئيسية. ويُدير العديد من أفراد الجالية محلات تجارية ومطاعم وأسواقًا صغيرة، ويُعدون جزءًا من الدورة الاقتصادية في المجتمع المحلي. كما تُشارك الجالية في الأعمال الخيرية، سواء من خلال توزيع الطعام أو التبرعات للمحتاجين، وهو ما يُعزز صورتهم الإيجابية في المجتمع الليسوتي.

التحديات التي تواجه المسلمين في ليسوتو

رغم البيئة المتسامحة، إلا أن المسلمين في ليسوتو يُواجهون تحديات تشمل قلة الموارد المالية، وضعف التمثيل السياسي، وصعوبة الحصول على دعم تعليمي أو ديني خارجي. كما أن الزيادة السكانية المحدودة للجالية تجعل قدرتها على التوسع المؤسسي ضعيفة، وهو ما يُفرض على قياداتها البحث عن حلول إبداعية للمحافظة على الهوية الإسلامية داخل مجتمع غير مسلم بالأساس.

الخاتمة

يمثل وجود المسلمين في ليسوتو دليلًا على انتشار الإسلام عالميًا، وقدرته على التفاعل مع مختلف البيئات والثقافات. فرغم قلة عددهم، إلا أن المسلمين هناك حافظوا على كيانهم الديني والاجتماعي، وساهموا بفعالية في مجتمعهم، ونجحوا في ترسيخ ثقافة الاحترام والتعايش. وهو ما يُبرز أهمية الاعتراف بهذه الأقلية المسلمة وتسليط الضوء على تجاربها، كجزء من التنوع الديني والثقافي الثري في القارة الأفريقية.