عدد سكان إريتريا

تُعد إريتريا من الدول الأفريقية التي تحظى باهتمام جغرافي وديموغرافي خاص، وذلك نظرًا لموقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر، وتركيبتها السكانية المتنوعة، وتاريخها السياسي المعقَّد. وعلى الرغم من صغر مساحتها النسبية، فإن إريتريا تمثل نموذجًا فريدًا لمجتمع متداخل الأعراق والثقافات، يعيش ضمن ظروف اقتصادية وسياسية خاصة. من هنا تنبع أهمية التعرّف على التغيرات السكانية وعدد السكان، لا سيما في ظل التحديات التي تواجهها البلاد من هجرة وتفاوت تنموي وتأثيرات خارجية. المقال التالي يتناول بالتفصيل عدد سكان إريتريا حتى عام 2025، ويحلل أبرز المؤشرات المرتبطة بالكثافة السكانية، التركيبة العمرية، النمو، والهجرة.

عدد سكان إريتريا حتى عام 2025

بحسب أحدث التقديرات السكانية، بلغ عدد سكان إريتريا حوالي 3,607,000 نسمة في منتصف عام 2025، بزيادة ملحوظة عن العام السابق الذي سجل عدد سكان يقارب 3,535,600 نسمة. هذا النمو السكاني السنوي، الذي يقارب 2%، يُعد مرتفعًا نسبيًا في سياق دول منطقة القرن الأفريقي. ويعكس هذا النمو مجموعة من العوامل الديموغرافية مثل ارتفاع معدلات الخصوبة وانخفاض نسبي في معدلات الوفيات.

نسبة النمو السكاني وأثرها على الخدمات

معدل النمو السكاني في إريتريا يضع ضغوطًا مستمرة على البنية التحتية والخدمات الأساسية، خصوصًا في قطاعات الصحة والتعليم والسكن. فكلما ارتفع عدد السكان، ازدادت الحاجة إلى توسيع شبكة المستشفيات والمدارس وتوفير مياه الشرب والطاقة، وهي تحديات كبيرة لدولة تعاني من قيود اقتصادية صارمة بفعل العقوبات الدولية ومحدودية الموارد الطبيعية.

الكثافة السكانية وتفاوت التوزيع الجغرافي

مع كثافة سكانية تبلغ نحو 36 نسمة لكل كيلومتر مربع، لا تُعد إريتريا من الدول المكتظة، لكن توزيع السكان غير متوازن جغرافيًا. فالمدن الكبرى مثل أسمرة ومصوع وكرن تضم كثافة سكانية مرتفعة مقارنة بالمناطق الصحراوية أو الساحلية الأقل جذبًا للسكان. يُسهم المناخ القاسي في بعض المناطق، والنقص في المرافق، في تقليص فرص التوسع العمراني المتوازن.

التركيبة السكانية: مجتمع شاب بامتياز

تشير البيانات إلى أن حوالي 60% من سكان إريتريا هم دون سن الخامسة والعشرين، ما يجعلها من أكثر الدول شبابًا على مستوى القارة. ويبلغ متوسط عمر السكان نحو 19 عامًا، وهو مؤشر يعكس مستقبلًا يعتمد بدرجة كبيرة على قدرات الشباب، لكن في ذات الوقت يتطلب سياسات تنموية تستوعب هذا الكم الهائل من القوى العاملة المستقبلية.

اللغات والأديان والتنوع الثقافي

يتكوّن المجتمع الإريتري من تسع قوميات رئيسية، أبرزها التيغراي، التيغر، والساهو، ولكل منها لغتها الخاصة. وتُعتبر العربية والتغرينية هما اللغتان الأكثر شيوعًا. كما يتوزع السكان دينيًا بين الإسلام والمسيحية، في توازن نسبي يُميز النسيج الاجتماعي، ويزيد من الحاجة إلى إدارة حكيمة للتعددية الثقافية والدينية.

الهجرة: الواقع والاتجاهات

من أبرز الظواهر المؤثرة في عدد السكان في إريتريا هو الهجرة، حيث تشهد البلاد نزوحًا مستمرًا للشباب بحثًا عن فرص أفضل في أوروبا ودول الجوار. يُقدر صافي الهجرة السلبي بحوالي -6,700 شخص سنويًا، وهو رقم مؤثر في بنية المجتمع، لا سيما مع استنزاف الطاقات الشابة المتعلمة. تعود أسباب الهجرة إلى ظروف اقتصادية صعبة، وقيود سياسية، إضافة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية غير محددة المدة.

الخصوبة ومعدلات الإنجاب

تمتاز إريتريا بارتفاع معدلات الخصوبة، حيث تُنجب المرأة في المتوسط نحو 3.6 أطفال. هذا المعدل المرتفع يُعزز من النمو السكاني، لكنه في المقابل يفرض تحديات على مستوى التخطيط العائلي والرعاية الصحية للأمهات والأطفال. كما ترتبط هذه المعدلات بعوامل اجتماعية وثقافية تجعل من الأسر الكبيرة أمرًا شائعًا في المجتمع الإريتري.

البنية التحتية والتحديات المستقبلية

مع زيادة عدد السكان، تواجه إريتريا تحديات كبيرة في تطوير البنية التحتية، خاصة في المناطق النائية. ضعف شبكة الطرق، ونقص المراكز الصحية، وانقطاع الكهرباء، كلها عوامل تُقلل من قدرة الدولة على استيعاب التوسع السكاني بشكل فعّال. كما تحتاج البلاد إلى استثمارات ضخمة في مجالات التعليم والتكنولوجيا لتأهيل جيل المستقبل.

الفرص المستقبلية والإمكانات السكانية

رغم كل التحديات، فإن عدد السكان المتزايد قد يُمثل فرصة إذا ما استُثمر في التعليم والمهارات. الشباب الإريتري يمتلك طاقات واعدة يمكن أن تُحول الاقتصاد الوطني إذا ما وُفرت له بيئة سياسية واجتماعية مستقرة، وسياسات تحفّز على ريادة الأعمال والتنمية المستدامة.

خلاصة

إجمالًا، يُعد عدد سكان إريتريا مؤشرًا حيويًا يعكس واقعًا متداخل الأبعاد. فالنمو السكاني المستمر يُعد فرصة وعبئًا في آنٍ واحد، يتطلب من الحكومة والمجتمع الدولي جهودًا متكاملة لتحويل التركيبة الديموغرافية إلى رافعة تنموية حقيقية. المستقبل السكاني لإريتريا يتوقف على قدرتها على تجاوز التحديات الحالية، والاستفادة من تنوعها وثروتها البشرية الشابة.