تمثل العملة الوطنية الإثيوبية، المعروفة باسم “البِرّ” (ETB)، ركيزة من ركائز السيادة الاقتصادية في واحدة من أقدم الدول في القارة الأفريقية. تتميز هذه العملة بتاريخ طويل وتطور مستمر يعكس التحولات السياسية والاقتصادية التي مرت بها إثيوبيا. بدءًا من استخدام العملات الأجنبية في القرون الماضية، وصولًا إلى تعويم العملة في العصر الحديث، ظل البِرّ شاهدًا على مسيرة تطور إثيوبيا من اقتصاد زراعي مغلق إلى اقتصاد يسعى للانفتاح وجذب الاستثمارات الأجنبية.
أقسام المقال
- البِرّ: اسم يحمل دلالة وهوية
- جذور العملة في تاريخ إثيوبيا القديم
- نظام البِرّ بعد الحرب العالمية الثانية
- تعويم عملة إثيوبيا وتداعياته
- جهود البنك الوطني الإثيوبي
- التضخم في إثيوبيا وتآكل القوة الشرائية
- العملة الصعبة وسوق الصرف
- الاقتصاد غير الرسمي في إثيوبيا وتأثيره على البِرّ
- مشاريع الإصلاح وبورصة الأوراق المالية
- المستقبل الاقتصادي لعملة إثيوبيا والتحديات المتوقعة
البِرّ: اسم يحمل دلالة وهوية
يُطلق على العملة الإثيوبية اسم “البِرّ”، وهي كلمة تعني القوة أو الفضة في بعض اللغات المحلية، مما يعكس الاحترام التاريخي للعملات ذات القيمة. وقد اعتمد هذا الاسم رسميًا عام 1976 ليحل محل التسمية السابقة “الدولار الإثيوبي”، في خطوة تؤكد استقلال إثيوبيا الاقتصادي والرمزي عن التأثيرات الاستعمارية.
جذور العملة في تاريخ إثيوبيا القديم
لم تكن إثيوبيا بمعزل عن النظام النقدي العالمي في العصور القديمة، فقد استخدمت عملات مثل “تالر ماريا تيريزا” الشهيرة، والتي كانت سائدة في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. ومع بروز الدولة الإثيوبية الحديثة، بدأت محاولات حثيثة لصك عملة وطنية تحمل طابعًا إثيوبيًا خالصًا، حتى وُلد البِرّ كرمز للاستقلال المالي.
نظام البِرّ بعد الحرب العالمية الثانية
في عام 1945، وبعد نهاية الاحتلال الإيطالي، تم إصدار عملة إثيوبية وطنية تحت اسم “الدولار الإثيوبي”، بقيمة تعادل الشلن الشرقي الأفريقي. وبعد عقود من الاستخدام، تم تغيير الاسم إلى “البِرّ” عام 1976. منذ ذلك الحين، صدرت عدة إصدارات نقدية جديدة، تتضمن أوراقًا مالية متنوعة من فئات 1 إلى 200 بِرّ، مع رموز وطنية تعكس الهوية الثقافية والحضارية للبلاد.
تعويم عملة إثيوبيا وتداعياته
اتخذت الحكومة الإثيوبية في يوليو 2024 خطوة جريئة بتعويم البِرّ، مما أدى إلى انخفاض حاد في سعر صرفه أمام الدولار الأمريكي. جاءت هذه الخطوة ضمن برنامج إصلاح اقتصادي واسع بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، يهدف إلى خفض العجز في الميزان التجاري وتشجيع تدفق العملات الأجنبية. إلا أن هذه الإجراءات صاحبتها آثار تضخمية وارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية.
جهود البنك الوطني الإثيوبي
يتحمل البنك الوطني الإثيوبي مسؤولية إدارة السياسة النقدية والحفاظ على استقرار العملة. في مارس 2025، أبقى البنك على سعر الفائدة عند 15% وحدد سقف نمو الائتمان بنسبة 18%، وذلك لمواجهة الضغوط التضخمية وتعزيز استقرار سعر الصرف. كما أعلن عن خطط لتطوير نظام الدفع الإلكتروني وتوسيع استخدام التكنولوجيا في القطاع المصرفي.
التضخم في إثيوبيا وتآكل القوة الشرائية
عانت إثيوبيا من معدلات تضخم مرتفعة خلال السنوات الأخيرة، تأثرت بعوامل داخلية مثل الجفاف والصراعات، وخارجية مثل تقلب أسعار السلع العالمية. ورغم أن التضخم انخفض إلى 13.6% في مارس 2025، إلا أن التأثير على حياة المواطن لا يزال ملموسًا، حيث ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير.
العملة الصعبة وسوق الصرف
أدى نقص العملة الصعبة إلى ازدهار السوق السوداء في الصرف الأجنبي، مما شكّل تحديًا أمام جهود الحكومة للسيطرة على السوق. بعد التعويم، بدأت الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء تضيق نسبيًا، إلا أن الحاجة إلى مصادر موثوقة للعملة الأجنبية، كعائدات التصدير والسياحة، لا تزال قائمة.
الاقتصاد غير الرسمي في إثيوبيا وتأثيره على البِرّ
يشكل الاقتصاد غير الرسمي نسبة كبيرة من الاقتصاد الإثيوبي، ويؤثر بشكل مباشر على فعالية السياسة النقدية. فالمعاملات غير المسجلة، وغياب نظم الدفع الرقمية في المناطق الريفية، تُضعف قدرة الدولة على قياس حركة الأموال بدقة. ولهذا السبب، تسعى الحكومة إلى تعزيز الشمول المالي وتشجيع استخدام الحسابات البنكية عبر مبادرات وطنية.
مشاريع الإصلاح وبورصة الأوراق المالية
أعلنت الحكومة الإثيوبية عن تأسيس أول بورصة للأوراق المالية في 2024، ضمن خطة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير القطاع المالي. ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التداول في 2025، ما يعزز من مكانة البِرّ ويمنحه دعمًا مؤسسيًا في السوق المالي.
المستقبل الاقتصادي لعملة إثيوبيا والتحديات المتوقعة
رغم التحديات الاقتصادية، مثل انخفاض الاحتياطيات، والتقلبات السياسية، والتغير المناخي، فإن هناك آمالًا بتحقيق استقرار طويل الأمد للبِرّ. يعتمد هذا على قدرة إثيوبيا على تنفيذ إصلاحات شاملة، وتحقيق توازن بين حماية الطبقات الفقيرة من آثار التضخم، وجذب الاستثمارات التي تعزز قيمة العملة على المدى البعيد.