تُعتبر عملة ساو تومي وبرينسيب، المعروفة باسم “الدوبرا”، إحدى الركائز الأساسية لهوية هذا البلد الإفريقي الصغير، الذي يتميز بجماله الطبيعي وتاريخه الاستعماري المعقد. في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها منذ الاستقلال، لعبت العملة الوطنية دورًا حيويًا في محاولة تعزيز الاستقرار المالي والتكامل الاقتصادي. وبينما تسعى الدولة إلى بناء اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة، تبقى العملة المحلية عنصرًا محوريًا في هذه العملية.
عملة ساو تومي وبرينسيب ليست مجرد وسيلة للدفع، بل هي مرآة تعكس التغييرات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد، وهي مؤشر على مدى نجاح الحكومة في إدارة الملفات المالية والنقدية على المستويين الداخلي والدولي.
أقسام المقال
تاريخ العملة في ساو تومي وبرينسيب
عند استقلال ساو تومي وبرينسيب عن البرتغال عام 1975، بدأت البلاد في تأسيس مؤسساتها الوطنية، وكان من ضمن الخطوات الرمزية والاستراتيجية استحداث عملة وطنية. في عام 1977، تم إطلاق “الدوبرا” لتحل محل الإسكودو البرتغالي، ولتكون رمزًا للسيادة والاستقلال الاقتصادي. بداية العملة جاءت بمعدل صرف 1:1 مع الإسكودو، إلا أن الاقتصاد الهش والاعتماد على الزراعة والصادرات المحدودة جعلا العملة عرضة للتقلبات والتضخم خلال السنوات التالية.
ومع مرور العقود، بدأت الحكومة في التفكير بإصلاح نقدي كبير لمواجهة ضعف القوة الشرائية وتبسيط المعاملات. وفي يناير 2018، تم إدخال عملة جديدة بتسمية “الدوبرا المعاد تقييمها” أو STN، حيث تم استبدال كل 1000 وحدة من الدوبرا القديمة بوحدة واحدة من الجديدة. هذا الإصلاح ساعد على تقليل الأصفار في التعاملات اليومية وتسهيل فهم الأسعار لدى المواطنين والسياح على حد سواء.
الهيكل النقدي للدوبرا
تتنوع فئات العملة بين العملات المعدنية والأوراق النقدية. العملات المعدنية تضم 10 و20 و50 سنتيمو، بالإضافة إلى 1 و2 دوبرا، وتُستخدم غالبًا في المشتريات الصغيرة. أما الأوراق النقدية، فهي تشمل فئات 5، 10، 20، 50، 100، و200 دوبرا، وتتميز بتصاميم فنية جذابة تُظهر الجمال الطبيعي والحياة البرية التي تشتهر بها البلاد، مثل الطيور الاستوائية والفراشات النادرة.
كما أن الأوراق مزودة بعناصر أمان متقدمة، مثل خيوط الأمان والعلامات المائية والرموز البصرية المتغيرة، لمكافحة التزوير. ويُعد البنك المركزي في ساو تومي وبرينسيب هو الجهة المسؤولة عن إصدار العملة ومراقبة سياستها النقدية، ويلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على استقرار قيمة الدوبرا.
ربط العملة باليورو
ضمن خطوات الإصلاح الاقتصادي، وقعت ساو تومي وبرينسيب اتفاقية مع البرتغال بدعم من الاتحاد الأوروبي، لربط عملتها باليورو. دخل هذا الربط حيز التنفيذ في يناير 2010 بمعدل صرف ثابت يعادل 1 يورو = 24.500 دوبرا. الهدف من هذه الخطوة كان خلق بيئة أكثر استقرارًا للاستثمار الأجنبي، وضبط معدلات التضخم، وزيادة ثقة الأسواق في العملة المحلية.
ورغم أهمية هذا الربط في الحد من تقلبات سعر الصرف، فإنه فرض التزامًا كبيرًا على الحكومة من حيث إدارة الاحتياطات الأجنبية وضبط العجز التجاري. إلا أن استمرار الربط حتى الآن يعكس التزام البلاد بسياسة نقدية منضبطة نسبيًا، رغم التحديات.
الوضع الاقتصادي الحالي
بحسب آخر التحديثات الاقتصادية حتى مايو 2025، شهدت البلاد تحسنًا نسبيًا في مؤشرات التضخم، حيث تراجع إلى 10% بعد أن كان قد وصل إلى 11.1% في فبراير. هذا التحسن جاء نتيجة إجراءات حكومية متواصلة، منها ضبط الإنفاق، وتشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والسياحة.
ومع ذلك، لا تزال ساو تومي وبرينسيب تعتمد على واردات الوقود والمواد الغذائية، مما يجعلها عرضة للتقلبات في الأسواق العالمية. كما أن ضعف البنية التحتية والبعد الجغرافي يمثلان تحديًا أمام تحقيق نمو اقتصادي سريع، وهو ما يزيد من أهمية وجود عملة مستقرة وفعّالة في المعاملات.
الاستخدام اليومي للدوبرا
في الحياة اليومية، يتم تداول الدوبرا في الأسواق والمتاجر ومختلف الأنشطة الاقتصادية داخل البلاد. إلا أن أغلب السكان لا يزالون يعتمدون على المعاملات النقدية المباشرة، نظرًا لانخفاض نسبة استخدام الخدمات المصرفية الإلكترونية. غالبًا ما تكون السيولة النقدية هي الوسيلة الأكثر شيوعًا، خاصة في المناطق الريفية التي تفتقر إلى البنوك أو أجهزة الصراف الآلي.
رغم بعض المحاولات من الحكومة لتحسين الشمول المالي من خلال دعم الخدمات المصرفية الرقمية، فإن البنية التحتية ما زالت بحاجة إلى تطوير واسع لتشجيع المواطنين على استخدام الوسائل الحديثة في الدفع.
التحديات والآفاق المستقبلية
من أبرز التحديات التي تواجه الدوبرا ضعف القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، ما يؤدي إلى عجز دائم في الميزان التجاري وضغوط على الاحتياطيات الأجنبية. كما أن الفقر وانتشار الاقتصاد غير الرسمي يحدّان من فعالية السياسات النقدية التي يعتمدها البنك المركزي.
على الجانب الآخر، هناك فرص واعدة يمكن استغلالها، مثل السياحة البيئية، والكاكاو العضوي، والاستثمارات في الطاقة المتجددة. وإذا ما استطاعت البلاد تنفيذ إصلاحات هيكلية حقيقية، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة الثقة بالدوبرا، وتعزيز استخدامها في التبادلات المحلية والدولية.
تأثير العملة على السياسات العامة
تلعب العملة الوطنية دورًا يتجاوز الاقتصاد، إذ ترتبط بتشكيل سياسات الدعم الحكومي، وتحفيز الصادرات، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. فمثلاً، تؤثر قيمة الدوبرا بشكل مباشر على أسعار المواد الغذائية المستوردة، مما يجعل استقرار العملة هدفًا سياسيًا أيضًا، وليس فقط اقتصاديًا.
كما تؤثر تقلبات العملة على الاستثمار الأجنبي والمساعدات الدولية، حيث أن الثقة في العملة تعد أحد المعايير الرئيسية لتقييم مناخ الأعمال. ومن هنا، تحرص الحكومة على الحفاظ على ربط العملة باليورو وتطبيق سياسات نقدية منضبطة.