عملة نيجيريا 

تُعد النيرة النيجيرية (NGN) ليست مجرد ورقة نقدية أو رمز مالي، بل هي مرآة تعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لواحدة من كبرى الدول الإفريقية. ومع تسارع الأحداث الاقتصادية عالميًا ومحليًا، باتت النيرة تتصدر العناوين، لا بسبب قوتها، بل بسبب ما تواجهه من تذبذبات وإصلاحات متتالية. في هذا المقال، نستعرض بعمق تطور النيرة، وواقعها في عام 2025، والتحديات التي تواجهها، وخطط الإصلاح والفرص الكامنة أمامها، في رحلة لفهم الصورة الأوسع لاقتصاد نيجيريا.

البدايات التاريخية للعملة النيجيرية

تأسست النيرة رسميًا في الأول من يناير 1973، لتحل محل الجنيه النيجيري البريطاني، في إطار عملية تحويل نحو الهوية الوطنية الكاملة بعد الاستقلال. جاء اختيار الاسم من كلمة “نيجيريا”، وأشرف البنك المركزي النيجيري على إصدارها وتداولها. في بدايتها، كانت النيرة واحدة من أقوى العملات في إفريقيا، إذ كانت تعادل أكثر من دولار أمريكي واحد. لكن مع مرور الوقت وتوالي الأزمات الاقتصادية، بدأت تفقد بريقها وقيمتها.

أسباب تدهور قيمة النيرة عبر العقود

عدة عوامل ساهمت في تراجع قيمة النيرة، أبرزها اعتماد نيجيريا شبه الكلي على النفط كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، ما جعلها عرضة للهزات العالمية. كما ساهمت السياسات الاقتصادية غير المستقرة، والفساد الإداري، ونقص الاستثمار في القطاعات غير النفطية، في تعميق الأزمة. كذلك، تكرار اللجوء إلى تعويم العملة دون أرضية اقتصادية قوية جعل المضاربة تلتهم قيمتها تدريجيًا.

النيرة في عام 2025: أرقام وواقع

في مايو 2025، وصلت النيرة إلى مستويات تاريخية من الضعف، إذ بلغ سعر صرف الدولار نحو 1610 نيرة في السوق الرسمية، مع وجود فارق أكبر في السوق الموازية. يأتي ذلك في ظل تضخم سنوي بلغ 24.23%، يُعد من أعلى المعدلات منذ سنوات. وقد انعكس ذلك في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين. رغم محاولات البنك المركزي ضخ السيولة وتطبيق سعر صرف مرن، إلا أن ضعف الإنتاج المحلي وزيادة الاعتماد على الاستيراد يواصلان الضغط على العملة.

الإصلاحات الجذرية في السياسة النقدية

استجابة للأزمة، بدأ البنك المركزي منذ منتصف 2023 تطبيق سلسلة من الإصلاحات الجذرية، أبرزها تحرير سعر الصرف، ورفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية بلغت 27.5%، وذلك لمحاربة التضخم وامتصاص السيولة الزائدة. كما تم دمج منصات الصرف الرسمي والموازي في محاولة للحد من الفجوة في الأسعار. وشهد عام 2024 إطلاق برنامج رقمي لتعقب تدفقات النقد الأجنبي وتعزيز الشفافية في تحويلات العملات.

إلغاء الدعم عن الوقود وتأثيره على العملة

إحدى أكثر الخطوات جرأة كانت قرار الحكومة إلغاء دعم الوقود بالكامل، مما رفع الأسعار محليًا ولكن حرر ميزانية الدولة من أعباء ضخمة. ورغم تأثير القرار على المواطن العادي، إلا أنه ساعد على تقليص فاتورة الاستيراد، وبالتالي تخفيف الضغط على النيرة. ومع ذلك، تواصل الأسعار ارتفاعها بفعل ارتفاع تكلفة النقل والتوزيع.

النيرة الرقمية: مشروع طموح لكنه متعثر

في أكتوبر 2021، أطلقت نيجيريا عملتها الرقمية “إي-نيرة”، لتكون أول دولة إفريقية تتبنى هذا النظام. الهدف كان تقليل الاعتماد على الكاش، وتعزيز الشمول المالي، ومحاربة الفساد. لكن التبني بقي ضعيفًا، حيث لم تصل نسبة الاستخدام إلى 1.5% من السكان حتى 2025، بسبب ضعف البنية التحتية الرقمية وضعف الوعي العام. الحكومة تعمل حاليًا على تحسين الأنظمة وتقديم حوافز لتشجيع الاعتماد على هذه العملة.

العملة مقابل العملات الإفريقية الأخرى

عند مقارنة النيرة بعملات إفريقية مثل الراند الجنوب إفريقي أو الفرنك الإفريقي، يتضح ضعفها الكبير، سواء من حيث القيمة أو الاستقرار. ويعود ذلك إلى هيكل الاقتصاد النيجيري الذي يفتقر للتنوع، مقارنة بدول استثمرت في الزراعة والصناعة والسياحة. هذا يبرز الحاجة إلى خطط إصلاح طويلة المدى تتجاوز السياسات النقدية نحو هيكلة شاملة للاقتصاد.

مستقبل النيرة: سيناريوهات محتملة

بحسب خبراء الاقتصاد، فإن النيرة قد تشهد استقرارًا نسبيًا إذا نجحت الحكومة في:

  • تعزيز الصادرات غير النفطية.
  • تحسين مناخ الاستثمار وتوفير بيئة قانونية مستقرة.
  • توسيع القاعدة الضريبية وتقليص الاعتماد على الاقتراض الخارجي.

لكن الفشل في معالجة المشكلات الهيكلية قد يؤدي إلى مزيد من الانهيار وتدهور قيمة العملة.

خاتمة

النيرة ليست فقط عملة وطنية، بل هي تجسيد للتحديات التي تواجه نيجيريا في القرن الحادي والعشرين. وبينما تُمثل الإجراءات الحالية بارقة أمل، فإن تعافي النيرة لن يكون سريعًا ولا سهلاً. بل هو مرهون بإرادة سياسية قوية، وإصلاحات اقتصادية مستدامة، وشراكة فاعلة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. عندها فقط، يمكن أن تستعيد النيرة شيئًا من مجدها وتُعيد التوازن إلى الاقتصاد النيجيري.